تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الرسوم المتحركة ....فن الموهبة والتقانة

ملحق ثقافي
2018/10/23
د. محمود شاهين

على الرغم من عمرها الزمني المديد، وسعة انتشارها، وقدرتها على مخاطبة الصغير والكبير، وأهميتها في نقل الأفكار وتعميمها بأبسط الأشكال وأوضحها، ووظائفها الإعلانيّة والإعلاميّة والتربويّة والترويجيّة والتوجيهيّة والروائيّة، لا تزال أفلام الرسوم المتحركة العربيّة متواضعة السويّة الفنيّة،

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

محدودة الانتشار، قليلة الإنتاج، ما يستدعي ضرورة الاهتمام بها، والتخطيط للنهوض بهذا اللون الفني البصري الذي ارتبط وجوده في البدايّة، بعالم الأطفال، ثم توسّع ليطول عالم الكبار، حيث بدأت تنفذ من خلاله، أفلام كارتون متعددة المهام، تتوجه إلى شرائح المجتمع كافة، بحيث يمكن القول، إن أفلام الكارتون تتماهى كوظيفة، بأفلام السينما والتلفاز، وطاولها الكثير من التطور التقاني، لاسيّما بعد اختراع الحاسوب الذي بات متكأً للعديد من الفنانين في عملية إنجاز أفلام الكارتون (الرسوم المتحركة) التي صار لها تقانات وأنواع وأساليب واتجاهات، لا بد من الإلمام بها وإتقانها، لنجاح عملية إنجازها، إذ لم تعد موهبة الرسم وحدها كافية، لإبداع الرسوم المتحركة وإتقان صناعتها.‏‏

تقانات متنوعة‏‏

يتم تحريك أفلام الكارتون، بعدة وسائل وتقانات منها: الرسم على شريط الفيلم، والتحريك باستخدام الشاشة الدبوسيّة، وتحريك الصور الساكنة، والتحريك بطريقة البكسليشن، والتحريك بالطريقة التقليديّة في التحريك. أي التحريك على السلوليد، والتحريك بالرسم على الورق، وتحريك الأشكال المقصوصة الملونة، وتحريك السيلويت، وتحريك الدمية (كما في مسلسل افتح يا سمسم) وتحريك الصلصال، وتحريك الأشياء، وأخيراً تحريك الحاسب الآلي (الكمبيوتر).‏‏

ونتيجة لأهمية الرسوم المتحركة، أخذت أكاديميات وكليات ومعاهد الفنون الجميلة في الجامعات العربيّة، تفرد لها أقسام تخصصيّة، تُعلم طرزها وتقاناتها، بحيث صارت تكرس مشاريع تخرج الطلبة بكاملها، لإنتاج أفلام كارتون متعددة المهام،‏‏

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

مختلفة الوظائف والتقانات، أو إفراد جوانب من هذه المشاريع، لهذا الفن، لاسيّما في أقسام الاتصالات البصريّة التي تشتغل على وسائل الاتصال البصري المتطورة والنافذة في بصر وبصيرة المتلقي، لنقل رسالة محددة له.‏‏

من جانب آخر، بدأت العديد من المهرجانات التخصصيّة، تقام في بلادنا العربيّة، لهذا الفن الذي رافقت ولادته السينما، ومن بعدها التلفاز، فقد قُدمت أفلام الرسوم المتحركة، في دور السينما العربيّة، أواخر ستينيات القرن الماضي، ضمن مقدمات العروض السينمائيّة (وكانت تُدعى المناظر) في إطار نشرات الأخبار والنشاطات الحكوميّة والاجتماعيّة والثقافيّة، التي كانت تقدم هي الأخرى، في دور السينما، قبل اختراع وانتشار التلفاز بين الناس.‏‏

ففي سوريّة، شهدت عدة محافظات منها دمشق وحلب واللاذقيّة، مهرجانات لأفلام التحريك، شاركت في إعداده وتنظيمه عدة جهات رسمية وخاصة، إضافة إلى بعض الدول الأجنبيّة، شمل على عرض أفلام كرتون، وإقامة ورشات عمل، وإلقاء محاضرات، حول هذا الفن القائم على رسوم متحركة، أو الأشكال المجسمة والمتحركة بوساطة الحاسوب، وهو فن نما وتطور، في كنف السينما، ثم التلفاز، ثم الحاسوب.‏‏

تعريف وتاريخ‏‏

أفلام الكرتون أو الرسوم المتحركة، هي فن تركيبي قائم على رسوم مسطحة أو أشكال ثلاثيّة الأبعاد، مثبتة على شريط سينمائي، بوساطة التصوير ومن ثم عرضها على شاشة سينمائيّة أو تلفزيونيّة بسرعة 24 لقطة في الثانية، وهذا ما يمنح المشاهد وهم الحركة.‏‏

يُشير الباحثون إلى أن فن الرسوم المتحركة سبق اكتشاف السينما بفترة من الزمن، وذلك على يد بعض العلماء الذين كانوا يستخدمون لتحريك الصور على الشاشة أقراصاً دوارة، أو أشرطة تحمل رسوماً ومجموعة من المرايا والفوانيس السحريّة.‏‏

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

يحدد الباحثون 30 أوغست (آب) عام 1877 يوم ولادة الرسوم المتحركة، وهو اليوم الذي سجل فيه الفنان والمهندس الفرنسي إميل رينو براءة اختراعه المسمى (براكسينوسكوب) وهو أكثر الأجهزة المتخصصة لعرض الرسوم المتحركة دقة واكتمالاً في ذلك الوقت. ارتبط تطور الرسوم المتحركة بتطور التقانة السينمائيّة والتلفزيونيّة، وبالتدريج، بدأت تظهر في هذا الفن، شخصيات كرتونيّة، سرعان ما انتشرت وذاع صيتها، وصار لها شعبيّة كبيرة منها: القط فيليكس للمخرجين ب.سالليفين، و أو.ميسمر. ثم جاء والت ديزني الذي استخدم أيضاً، شخصيات حيوانيّة عديدة في أفلامه، لعل أشهرها (ميكي ماوس).‏‏

من الشخصيات الشهيرة في عالم الرسوم المتحركة (توم وجيري) و(النمر الوردي) ... وغيره.‏‏

بالمقابل، تصدت الرسوم المتحركة لحكايا وقصص وروايات عالميّة شهيرة، لا سيما (ألف ليلة وليلة) التي استوحت منها العديد من الحكايات كعلي بابا وبساط الريح، وشهرزاد وشهريار، ومؤخراً، تناولت شخصيات تاريخيّة كصلاح الدين الأيوبي، وبالإمكان توظيفها للعديد من الموضوعات المستلهمة من التراث العربي الشعبي، كونها من الوسائل المهمة القادرة على إحياء هذا التراث وتقديمه بقالب فني وعصري واضح ومثير، إذا ما توفر لها مصمم فنان، وصانع فيلم موهوب، يعرف كيف يستغل التطور التكنولوجي والتقاني وتوظيفه بشكل جيد، في التعبير عن مضمون الرسوم المتحركة، والعمل على ابتكار شخصيات محببة لدى الناس، ومقربة من مداركهم وعواطفهم، ومن ثم وضعها ضمن إطار بيئة الحدث الصحيحة، بعد دراسة مستفيضة لشكلها وحركتها والقيم التي تمثلها وتطرحها في آنٍ معاً، خصوصاً تلك الشخصيات المرتبطة بالموروث الغني للحكاية الشعبيّة العربيّة، وما تمثله من قيم رفيعة للإنسان الشعبي، تتعلق بقناعاته وعاداته وتقاليده، التي يحرص أشد الحرص، على التمسك بها، وممارستها هو وعائلته، باعتبارها العنوان العريض للأصالة والشهامة والبطولة والحياة السليمة والصحيحة.‏‏

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

استلهام التراث‏‏

والحقيقة، تمور الحكايّة الشعبيّة العربيّة، بشخصيات ملائمة لأفلام الرسوم المتحركة، سبق للغات بصريّة أخرى، وتناولتها كالدراما التلفزيونيّة، والأفلام السينمائيّة، والرسوم الشعبيّة، ولاقت صدىً طيباً لدى المتلقي العربي، الصغير والكبير، لما تحمله من معان ودلالات وقيم، يحرص الإنسان العربي على تمثلها والمحافظة عليها، منها على سبيل المثال: الإمام علي كرم الله وجهه، وعنترة أبو الفوارس، والزير سالم، وصلاح الدين الأيوبي.. وغيرهم من الأبطال الذين دافعوا عن المبادئ والقيم والأوطان والضعفاء والمظلومين، فشكلوا بذلك، المكّون الأكبر للوجدان العربي، وأهم العناصر المشكّلة للذاكرة الجمعيّة العربيّة والإسلاميّة، نتيجة حضورهم الدائم، في التراث الشفاهي والمكتوب، لشعوب الأمتين: العربيّة والإسلاميّة.‏‏

واقع وتطلعات‏‏

بمقارنة واقع أفلام الرسوم المتحركة العربيّة الحالي بالإنتاج العالمي على هذا الصعيد، نجد أن هذا الفن (رغم أهميته) لا يزال في بداياته الأولى، ويعيش حالة من التعثر، نتيجة ضعف الإمكانات الموضوعة في تصرفه، الأمر الذي يؤدي إلى انحساره، وعدم قدرته على منافسة الإنتاج الأجنبي، ما يتطلب دعمه من قبل الجهات الرسميّة العربيّة، بدءاً من أكاديميات وكليات الفنون الجميلة المعنيّة بتأهيل وتدريب كوادره، وانتهاءً بشركات إنتاجه العامة والخاصة، لاسيّما بعد أن ثبت أهمية هذا الفن، والدور الكبير الذي يلعبه في تربية الأطفال، ونقل القيم التربويّة الوطنيّة والقوميّة والاجتماعيّة الرفيعة إلى عقولهم،‏‏

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

وهو ما يتطلب دراسة عملية تصميم شخصيات أفلام الرسوم المتحركة، وربطها بتراثنا العربي والإسلامي، وبالواقع الذي نعيشه، من أجل إنجاح وظيفته التربويّة والثقافيّة والمعرفيّة، ضمن إطار عراقة وحضارة المجتمع العربي، واعتماد المعايير التي تؤكد وتبرز القيم الأصيلة لهذا المجتمع، ويتم ذلك، باستنباط هذه الشخصيات من تراثنا، وتسخير التقانات الحديثة، لتعميمها، وتالياً تسخيرها لتعميم ونشر وترسيخ هذه القيم في عقول وقلوب الناشئة، لاسيّما بعد أن أثبتت الوقائع، مدى تعلق هؤلاء بالرسوم المتحركة، وشغفهم بمتابعتها، الأمر الذي يسهل عملية تربيتهم وتثقيفهم وتوجيههم من خلالها.‏‏

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية