وإذا بقيت الشعوب العربية في حال الضعف والتفكك واللاوعي ، فهذا يعني بقاء الاحتلال الأميركي المباشر وغير المباشر لغالبية الدول العربية إلى أمد طويل، كذلك سيطول الاغتصاب الصهيوني لفلسطين والجولان وأجزاء من لبنان.
انطلقت الثورات في العديد من الدول العربية، وفي ضوء نتائجها كان يمكن أن يتحدد مستقبل العالم العربي ومشروع الهيمنة الأميركية على العالم ومستقبل المشروع الصهيوني في المنطقة .
والسؤال : هل كنا في اتجاه عالم عربي جديد متحرر من الهيمنة الأجنبية، تتعاون دوله لتأسيس الاستقلال الحقيقي وبناء نهضة مجتمعاتها وتحقيق حرية انسانها وكرامته؟
أم في اتجاه شرق أوسط جديد أميركي - صهيوني يعمل على تفتيت المجتمعات العربية إلى اثنيات وطوائف ومذاهب هزيلة تدور في فلك الكيان الصهيوني؟
أم تتحول هذه الثورات إلى فقاعة بعد احتوائها وتدجينها ونعود إلى المراوحة حيث نحن؟!
ماموقف أميركا القوة العظمى ، من هذه «الانتفاضات» المتحركة في أهم منطقة استراتيجية تقبض بدرجات متفاوتة على معظم أنظمتها؟
أميركا ليست لاعباً محايداً ومتفرجاً على مايحصل وهي حاضرة بالمنطقة ولها النفوذ الأكبر فيها.
سياسة الاستعمار الغربي من سايكس - بيكو إلى وعد بلفور وزرع الكيان الصهيوني ، ورعاية أنظمة الاستبداد والتبعية والفساد وحمايتها ، وهي مسؤولة بدرجة كبيرة جداً عن واقع التخلف والقهر والظلم الذي تعيشه الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج.
لقد حاربت هذه السياسة كل فكر وطني وتقدمي واستقلالي وسيادي ، وحاربت كل حركة وحدوية ونهضوية ، وشجعت ورعت كل فكر انعزالي وانفصالي وطائفي ، والحركات الدينية والطائفية المتطرفة.
الشعوب العربية بعفويتها تقف ضد السياسة الأميركية وضد الوجود الصهيوني بنسبة عالية جداً، لكن الخطر يكمن في انخداع بعض قوى الحراك ، خاصة القوى الفاعلة والمنظمة، بوعود أميركية بتسليمها السلطة مقابل التسليم بالمشروع الأميركي والاغتصاب الصهيوني واجهاض الثورات بديمقراطيات مزيفة.
ميزان الحكم على أي ثورة أو احتجاج أو تحرك شعبي هو الموقف الواضح والمعلن من المشروع الأميركي الصهيوني . أي قوة سياسية تتحالف أو تتعاون مع أميركا أو امتدادها الأطلسي والصهيوني ، هي قوة خائنة وعملية وثورتها مزيفة ومشبوهة .
ثورة التغيير والنهوض لايمكن أن تتحقق بالتحالف مع السبب الرئيس للويلات التي تشكو منها كل الشعوب العربية.
الثورة الحقيقية هي التي تنطلق من موقع الرفض والممانعة والمقاومة للمشروع الأميركي - الصهيوني . وإذا كانت الثورات العربية تفتح أبواب الأمل لمستقبل أفضل ، فالفضل يعود إلى قوى المقاومة التي أوقفت تمدد مشروع الهيمنة الأميركية في العراق ولبنان وفلسطين ، وأصابته بمواجع أليمة وصولاً إلى الانهيار المالي، وبسبب ذلك أصبح أي تفكير أميركي بحرب جديدة هو ضرب من الجنون .
نهج المقاومة ضد سيد أسياد الأنظمة العربية ، هو النهج الوحيد الذي يحقق نجاح الثورات في اسقاط أنظمة التبعية والفساد، وبغير هذا النهج قد تستبدل رؤوس الأنظمة وتبقى الأنظمة ذاتها بركائزها وتوجهاتها مع تعديلات طفيفة في الشكل.
الإصلاح مطلب ملح وضروري لكل الدول العربية وكذلك للحركات والأحزاب السياسية المنادية بالتغيير. الإصلاح يكون على قاعدة وحدة الوطن والمساواة بين جميع المواطنين من دون أي تمييز ، وعلى أساس الحرية والمسؤولية وكرامة الإنسان إما أن ننجح في تحقيق الإصلاح وبناء دول عصرية متضامنة في جبهة عربية واحدة لخلق عالم عربي له مكانته في العالم أو تسقط في فخ المشروع الأميركي - الصهيوني الهادف إلى تقسيمنا وتفتيتنا إلى إثنيات ومذاهب وقبائل تدور في فلك المشروع الصهيوني وتعزز الهيمنة الأميركية في استراتيجيتها للسيطرة على العالم.
إما عالم عربي متحرر من التبعية والهيمنة الغربية قوي وموحد وفاعل في الثقافة الإنسانية، وإما شرق أوسط مفتت في خدمة المشروع الأميركي نتائج الصراع تحدده مستقبل المنطقة والعالم.