إنما ليس من قبيل الصدفة أنه جاء مدعوماً بثقة عالية , وهو الذي يتلقى الدعم من معسكر السلام بالتحديد . وكانت القناة الثانية التلفزيونية بثت قبل نحو شهرين تقريراً ترك أثاراً كبيرة حول نهاية الحل القائم على أساس إقامة دولتين , واليساريون هم الذين نعوا موت هذا الحلم . حتى إن أحد الصحفيين المشهورين كتب على صفحته في التواصل الاجتماعي , في أعقاب جولة له على المناطق أن الدولة الفلسطينية لن ترى النور . وأيده الكثيرون على صفحاتهم بحزن وأسى . حالة يأس من السلام تعم , وسببها هو انتشار مئات آلاف المستوطنين , الذين أصبحوا عائقاً أمام إقامة دولة فلسطينية نظراً لصعوبة الفصل بين السكان . ولكن السبب الرئيسي ينبع من الذات , ينبع من الوهن الذهني من فكرة كلما اقتربت من التحقيق بدت كأنها نوع من الفنتازيا .
قبل نحو ثلاثة أسابيع كتب داني دايان رئيس مجلس المستوطنات ( يشع ) مقال لصحيفة نيويورك تايمز حول رفض تجميد عملية البناء في المستوطنات , وفي حال تم ذلك فإنه لن يؤخر ولن يقدم في القضية . ولكن لم تنشر النيويورك تايمز الصحيفة ذات الصدى المقال , لا بسبب مضمونها وإنما لأن « خطة وزير الخارجية الأميركية جون كيري والمسيرة السلمية الفلسطينية – الإسرائيلية ليست قضية على جدول أعماله , بل إن الجميع يهتم هذه الأيام بما يحدث في تركيا وفي سورية وفي لبنان « هذا وفق ما كتب له محرر صفحة المقالات في الصحيفة .
وهذه هي الحقيقة , حيث عملية السلام الإسرائيلية – الفلسطينية لم تعد تشغل بال أحد في العالم , ولا حتى بال الزعماء الإسرائيليين . وطبعاً هذا ناتج عن التملص الإسرائيلي من تلك العملية والشروط التي يضعها الفلسطينيون لاستئناف التفاوض , كله أدى إلى وضع تلك المسألة المضنية في الزاوية المخفية, فضلاً عن إعلان أشخاص , على غرار داني دايان , وبشكل علني أنه لاجدوى من المسيرة . وفي الواقع , تكمن المشكلة في مسيرة السلام في افتقادها للزخم والرغبة والإرادة . حيث تفكير الزعماء في إسرائيل يتطابق مع تفكير دايان . يعرفون أنه لا توجد امكانية للاتفاق , يكرهون قيام دولة فلسطينية , بل يخافون من مجرد فكرة المضي قدماً في المفاوضات السياسية أو اللقاء مع الفلسطينيين لمجرد الدخول في بحث سياسي أو الخوض في حديث زمالة غير ملزم .
هذا هو حال نتنياهو وليبرمان ولبيد ويعلون والغالبية العظمى من الوزراء ونوابهم وأعضاء الكنيست , لم يسبق وأن سُجل هذا الكره الجماعي لمسيرة كفيلة – لا سمح الله – بإحلال السلام . في الاسبوع الماضي شاركت النائبة بنينا تمنو- شاطا من حزب ( يوجد مستقبل ) في اجتماع اللوبي من أجل بلاد إسرائيل في الكنيست , الرامي إلى تطبيق السيادة الإسرائيلية على أراضي الضفة الغربية بهدف تصفية فكرة الدولة الفلسطينية .
وكانت النائبة حازمة في إجابتها عن أسباب مشاركتها في هذا الاجتماع « قالوا لي : لماذا تذهبين إلى هذا الاجتماع ؟ إن لم أذهب إليه , إلى أين سأذهب ؟ وهل هذا يتعارض مع المسيرة السلمية , ليس ثمة اشياء أحادية البعد , علينا إعطاء دفع لعملية السلام « ووصل إلى جانب النائبة تمنة – شاطا إلى اجتماع اللوبي هذا النائب الحاخام دوف ليفمان من حزب ( يوجد مستقبل ) أيضاً . وفي اليوم التالي ظهر رئيس الكتلة , النائب عوفر شيلح في ندوة في الجامعة العبرية مدعياً بانفعال أن الاحتلال مفسد وأن إسرائيل ستصبح جنوب أفريقيا , في حال لم نعمل وفق حل إقامة دولتين . ولكن فجأة بدا شيلح وكأن صوته يصدر من صحراء لا أنس فيها .
لا حاجة لنا للإسهاب في الحديث عن ضرورة حل إقامة دولتين . ولكن ما هو واضح وجلي أن التشاؤم السائد النابع من الشعور بأننا تأخرنا في الوصول يأتي من قصر نظر وعدم الصبر .
إذا نظرنا إلى السلام مع مصر , نرى أنه لم يكن وليد لحظة هبوط السادات من الطائرة , بل إن مبادىء اتفاق كامب ديفيد وضع ضمن إطاره, في مبادرة روجرز قبل عشر سنوات من التوقيع عليه في البيت الأبيض , ولكن تطلب سنين لتهيئة الظروف المناسبة والشجاعة الكافية لتحقيقه .
من السابق لأوانه أن نخمن كيف سيبدو الشرق الأوسط , ولكن تشي الأحداث التي يشهدها ومنها الاحتجاجات في تركيا ومصر ونتائج الانتخابات في إيران والاحتجاجات في إسرائيل بأن المستقبل هو للجمهور . وقد انقضى الزمن الذي كان فيه الواقع يُرسم وفق رغبة الزعيم , بل أصبحت الشعوب هي التي تقول كلمتها عبر صناديق الاقتراع أو بالقوة . وتلك هي الرسالة التي نقلها الرئيس اوباما لإسرائيل , وهي أنه ينبغي على الشعبين أن يحثا زعمائهما لاالعكس . لا زال ثمة الكثير من الأمور التي تدعو مؤيدي حل إقامة دولتين إلى التمسك بالتفاؤل وعدم اليأس.