تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


فيروس الفوضى

مجتمع
الأحد 23-6-2013
خلود حكمت شحادة

عطلة صيفية أطلت من بعيد رسمت خطوطاً وتضاريس حياة جديدة لكل أسرة، كسرت روتيناً دام أشهراً ، هو الروتين الوحيد في الحياة الذي لا يزعج صاحبه، الاستيقاظ المبكر والانطلاق إلى المدارس والجامعات والروضات والعمل....،

ضجيج المنزل في ساعات الصباح الأولى ليهدأ بعدها في سكون رهيب، كل ذهب إلى مدرسته أو عمله وللأم العاملة نصيب في هذا الروتين فرغم ضجيج الصباح وفوضى الأولاد إلا أن وقتها منظم وقلبها مطمئن لا تحمل هم وعبء أولادها لساعات في النهار على الأقل هم في مدرستهم أو روضتهم وهي في عملها وكون المدرسة هي البيت الثاني فهناك راحة نفسية تحس بها الأم بأن أطفالها في أمان ولكن..؟! مع بداية العطلة الصيفية اقتحم فيروس الفوضى تلك الحياة الروتينية الاستثنائية لهذا العام في ظل ظروف استثنائية نعيشها اليوم، حياة روتينية طالما أحبتها الأمهات العاملات وغير العاملات فالأولاد يتعلمون ويمرحون وضجيجهم بعيداً عن ذاك المنزل لبعض الوقت.‏

لقد كانت العطلة الصيفية مجرد مصدر للترفيه والاستمتاع للكبار قبل الصغار فخطط الرحلات والاستجمام مدرجة في قائمة كل أسرة والكل ينتظر قدومها للذهاب في سفر أو رحلة (سيران) كما تسمى الرحلة القصيرة وينتظر الاطفال الصيف ليلتحقوا بالنوادي الصيفية والمسابح وغيرها، وهي أيضاً تعليم وترفيه وراحة لكل أسرة لوجود الأطفال في مكان آمن ولكن اليوم ما من مكان في ظروف كهذه ليحل التفكير في الوضع العائلي والأطفال الذي فُرض هذا العام قسراً ولتقتحم الفوضى المكان ونسمع عبارة (يامحلا أيام المدرسة) تردد على ألسنة الأمهات.‏

هذا الفيروس الذي حل على بيوتنا نراه في شوارعنا وفي علاقاتنا حين يختلط الأحبة بالأعداء لتصبح صورة مشوهه المعالم للعلاقات الإنسانية، أما في طرقاتنا على إشارات المرور كل يقتحم الضوء الأخضر وحجته أحياناً لا رقيب فإذا غاب الرقيب الذاتي وجد فيروس الفوضى مكاناً له، سيارات تتدافع في الشوارع وأناس يعبرون دون الاكتراث لشيء، أناس تتدافع على حافلات النقل وآخرون على الأفران و.... إلى ما هنالك من حاجيات وأعمال مختلفة.‏

للأسف حل هذا الوباء بنا أينما اتجهنا نراه ليس في البيت وإشارة المرور فحسب هو في العمل والاستهتار به وعدم تحمّل المسؤولية في ظروف وجب على المسؤولية أن تظهر وتتطور لتكافح الفوضى التي هي داء يقتحم الحياة ويهدمها، قادر عن تحطيم كل جميل ولنبدأ بالانتباه له انطلاقاً من غرف معيشتنا وتنظيم وقتنا إلى الشارع والعمل ووسائط النقل والدوائر الحكومية و.... الخ من كل مكان لأن الفوضى لامكان لها ترافقنا في داخلنا وتظهر بسرعة وهنا علينا التحكم بها والبحث والسعي لإيجاد حلول لها قبل أن تستفحل بنا وتحل وباء قاتلاً لمجتمع كامل.‏

اليوم تتحمل كل أسرة مسؤولية ضبط الفوضى وإحكام السيطرة على أطفالها وربما ستدفع بها الظروف إما لخسارة عمل الأم وهذا أمر صعب في ظل ظروف مادية غالباً ما تتحمل الأسرة الأعباء بها فكيف إن ذهبت..؟! أو تدريب الأولاد على البقاء في المنزل ورعاية بعضهم الآخر في جو من القلق يرافق الأهل في العمل ليبقى المتنفس الوحيد اليوم ربما حديقة ليخرج الأطفال بصحبة الأهل وغالباً ما تعج تلك الحدائق بزائريها لأنها المتنفس الوحيد في ظل هذه الظروف الاستثنائية معنوياً ومادياً وهنا نموذج من الفوضى يحدث من خلال رمي الأوساخ وبقايا الطعام وتكسير الأشجار وعدم الانتباه هي قلة انتباه من الأهل قبل أولادهم وهنا أردنا تسليط الضوء على بديهيات موجودة ولكنها تحتاج لعلاج ورعاية وتدارك قبل استفحال الفوضى في مكان جميل.‏

فوضى أخرى تقتحم الحياة نراها كيفما اتجهنا فحيثما نظرنا إلى جدران المباني أو الأسوار أو الأعمدة وحتى المراكز التجارية والمدارس نجد إعلانات تلصق بشكل عشوائي تشوه المنظر العام في الشوارع والأسواق فعشوائية الإعلانات والمعلنين هي فوضى إعلانية تسيء للناظر ومع الزمن تبقى موادها اللاصقة على الجدران توحي بكثير من التخلف وعدم الدراية بأهمية المكان وبعيدة كل البعد عن الحضارة فليست الحضارة والتطور بهكذا أوراق عشوائية على جدران استغاثت من كثرتها.‏

للأسف أصبحت الفوضى سمه عامة في الحياة واختلطت الأمور لدرجة أننا أصبحنا لانستطيع تحديد مصدر تلك الفوضى إن كنا نحن مصدرها، أنفسنا بما تجمعه من التناقضات، فأحياناً نبكى ونبتسم في آن واحد، نحب ونكره، نبتعد بينما نحن نتمنى القرب، ويرى الكثيرون أن الفوضى ما هي إلا إعادة ترتيب وانسحاب أفكار لتتداخل مع أخرى وترسم خطوات جديدة لتفادي فوضى وأخطاء أكبر.‏

والحديث عن الفوضى يطول والحلول كثيرة ومتشابهة فلندافع عن أنفسنا ووطننا من هذا الفيروس الذي اقتحم حياتنا بكل تفاصيلها وليكن كل منا مسؤول تجمعنا مقومات كثيرة ولا تفرقنا نقاط ثانوية تبرز من خيوط الحياة المتشابكة ولنتعاون مع أنفسنا قبل الآخرين لفك خيوط تشابكت ورسمت لوحة فوضى نحن بغنى عنها ولتكن بلدنا سورية جميلة كما عهدناها مرتعاً للسياح ومقصداً لهم، مضرب المثل بأهلها وأمانها وجمالها ولنكن خير أحفاد لهذه الأرض ، مسؤولون عنها بكل تفاصيلها ولننطلق كل من نفسه لتبقى سورية أرض السلام والجمال.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية