تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


ببيدرٍ من القصائد .. أحمد الخليل « مسكونٌ بفقدها »

ثقافة
الاثنين 3-8-2015
علي الراعي

« كلُّ الدروب تُهاجرُ إلى الآتي

و.. في زحمة الحصى تنسى العودة . »‏

على هذا الإيقاع من التأمل الذي يمتد عميقاً صوب الجوانيات، تلك الجوانيات المُفعمة خيبةً، وخذلاناً،‏

و..عزلة تُركّز الفعالية الشعرية في مجموعة « مسكونٌ بفقدها « للزميل الشاعر أحمد الخليل، الصادرة حديثاً عن دار بعل في دمشق .‏

بين أواخر ثمانينيات القرن الماضي وبداية تسعينياته، كتب أحمد الخليل قصائد هذه المجموعة، وانتظر أكثر من عشرين سنة، حتى شاء لها كتاب يصدرها من خلاله، فكانت هذه القصائد التي تأتي نائسة في أغلب حالاتها، كأنها صادرة عن كائنٍ منهك، أو أنهكته ظروفٌ مشحونة بالقهر، و.. رغم مرور كل هذه السنوات على كتابتها لأول مرة، فهي تأتي حادة وحارقة كأنها « الآن وهنا « .‏

« لأمي هذا العتاب:‏

هل يسمحُ لي حنانك‏

بقليلٍ من الغضب ؟!‏

لماذا نسيتِ‏

أيتها الطافحة بالحزن‏

أن تلقنّي ابنك العاق‏

دروس الدمع ؟‏

هل انشغلتِ عني بإطاعة الأوامر‏

والشكوى لإلهٍ نائم ؟!‏

لو تدرين كم بعثرتُ من السنين‏

حتى تعب الرأس من أحلامي‏

ويئستُ حتى آخر اليأس .‏

هبيني يا أمي البكاء‏

وليكن آخر درس‏

سأجلس كالتلميذ المهذب‏

في مدرسة القهر‏

أرطب العمر الهارب مني .»‏

لم استطع أن اقتنص شاهداً قصيراً من القصيدة السابقة، قبل أن أجمع كامل الدفقة العاطفية، ذلك إن أي اجتزاء منها، يكاد يدخل في خانة الطعن العاطفي، وهكذا أغلب قصائد مجموعة « مسكونٌ بفقدها « تتماسك خلالها الحالة الشعرية كشهقة، يستحيل تقسيمها لأجزاء مهما طالت الحالة، حالة تتناسل، وتتوالد حالات صغيرة ضمن الحالة الأشمل، تماماً كما تتوالد الحكايا، إذ كيف لنفس بطعم المرارة أن تكتفي بتكثيف القول، أو بقصاره، هنا لابد أن تغويها الحكاية بالسرد، تلك الحكاية الطاعنة بالجلوس الطويل على الصدر كهم، ومن ثم لا مناص من روايتها، للتخفف والتخفيف من وطئها .‏

هنا تشعر، و.. كأن أحمد الخليل، يُريد أن « يُفضض « بكل ما بنفسه دفعة واحدة، لتصل القصائد لأكثر من مئة قصيدة، وكأن ثمة خوف من فقد ما، يخشى أن يحصل لحظة غفلة، دون أن ينتبه له، من هنا أيضاً، يُكثر من حكايات تبني عمارتها الشعرية على صخورٍ من واقع، كان على الشاعر، أن يقذفها حيناً إلى أعلى، أو يحملها - كسزيف - معاوداً في رحلات عبثية لا تنجب غير الخذلان والعبث، ورغم كل مرارة الواقعية في قصائد أحمد الخليل، غير أنه، يبقى في إطار العمل الفني، الذي يصير إبداعاً عندما يصير بديلاً للواقع في خيالنا وذاكرتنا، « ومن ثمّ نصير بدل أن نستدل على الأشياء من خلال الواقع. نستدل عليها من خلال العمل الفني الذي في ذاكرتنا. « على ما يرى الكثير من النقاد في تلك الأعمال التي تمدّ بمجساتها صوب واقعٍ معاش .‏

« مسكون بفقدها « من البداية، حيث يشكل عنوان المجموعة للشاعر مدخلا فنياً إلى تركيبة القصائد وتشكيلها. في هذه المجموعة، يُكمل كتابة تلك القصيدة التي تحاول تلمس الواقع بأدواتها الخاصة، لينتج نصاً قد يبدو للوهلة الأولى موغلاً في بساطته، لكنه في الحقيقة يكنز عمقاً يمنحه تلك الأحقية بالوجود كنص مختلف. و..لأن القصيدة الجديدة هي إحدى صور الواقع، أو لنقل وبشكل أوضح عليها أن تكون إحدى صوره، التي إن لم نلمحها تمر في القصيدة، فالأمر وبلا شك سوف يُعيد القصيدة إلى أماكن أخرى كانت قد نزحت منها ومنذ زمن بعيد. فالعالم الذي يصوّره صاحب ال « مسكون بفقدها « هو عالم مواز وموارب، أي دون أن يُفرّط بالحالة الشعرية، ورغم كل الحالة الذاتية، لكنها كأي إبداع هو « شخصي « يتماهى مع الآخرين، ويتقاطع مع سيرهم، و.. عدّة الخليل في بناء حالته الشعرية، حمولات من مجاز القول، يرسم من خلالها، أو يُقارب الضوء والظل، والتكوين، واللون وإيهامات كل ذلك المشهد الواقعي. وتصعيدات الأمكنة، و.. حتى جمال اللحظات، هنا يصير للفن أحرف تصطاد المعنى الأجمل للتعابير .. هناك يصير في العمق اصطفاف مع كل حالة ، فيرسم حكايا لكائن مفرط في حساسيته، كائن مونودرامي في علاقات مرتبكة مع مجتمعه، محكوم بالخوف والخيبة. !‏

من هنا تذهب أغلب القصائد صوب حالات إنسانية شخصية فردانية، حتى إنها تفتقد غالباً لمحبوب، ومن ثم تغيب قصائد الحب على سبيل المثال إلا قليلاً، تلك الحالات التي تزدحم في أغلب المجموعات الشعرية الصادرة حديثاً، لكنها تأتي في مجموعة أحمد الخليل كحالة مضافة لتراكم حالات الخذلان التي تطغى على نص الشاعر .‏

« للمرة الألف قلت:‏

لن يهزمني هذا الليل‏

و.. مع كلّ شروق‏

أضيف للقائمة جرحاً جديداً‏

كم قبراً‏

حفرته لطيفكِ‏

لأدفنه حياً . «‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية