تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


قمم لكل مشكلات الرأسمالية

شؤون سياسية
الجمعة 28/11/ 2008 م
< د. جهاد طاهر بكفلوني

ستحمل القمم الدولية المخصصة لمواجهة الأزمة المالية التي يشهدها العالم اليوم فوق مالا طاقة لها به, بصرف النظر عن مكان وزمان هذه القمم وعددها.

وستنهمر كمية ضخمة من التساؤلات على بساط كل قمة يلتئم شملها في الولايات المتحدة الأمريكية‏

أو في دولة أوروبية أخرى, ولن يكون بمقدور القادة الأوروبيين الذين يحملون في أيديهم أكياساً ملأى بالقطن والشاش القيام بأي عمل من شأنه تقديم الضماد اللازم لإيقاف نزف الاقتصاد الأمريكي, وكل ما يستطيع هؤلاء القادة فعله ينحصر بإرسال زفرات حرى تأسف لحالة هذا الاقتصاد, وتلاوة التعويذات والرقى لكي ينجو الاقتصاد الأوروبي من عدوى الداء الخطير الذي ترك اقتصاد زعيمة العالم الرأسمالي الحر يصارع أمواج السقوط والانهيار.‏

من هذه الأسئلة المتوقع انهمارها إن لم تكن قد بدأت بفرض نفسها على ساحة الاقتصاد العالمي:‏

طبيعة الدور القيادي الذي شعر القادة الأوروبيون أنهم يضطلعون به في هذه الأوقات العصيبة عليهم وعلى الأمريكيين, وموافقة الأمريكيين المؤقتة على اضطلاعهم بهذا الدور, مستقبل الرأسمالية كنظام ادعى القدرة على التحكم بالأزمات المالية والاجتماعية منبعاً ومصباً, وموضوع تأمين استقرار الأسواق المالية بعد العواصف العاتية التي قلبت فيها الأمور رأساً على عقب, وشكل العلاقة السياسية الذي يجب أن يسود بين (واشنطن) والعواصم الأوروبية ذات الثقل السياسي والاقتصادي مثل (باريس) و (برلين) و (روما), أما ( لندن) فمستبعدة من القائمة لأن رئيس الوزراء البريطاني (غوردن براون) وريث معلمه السابق (طوني بلير) لا يجد غضاضة في انتهاج نهج سلفه واتباع السياسة الأمريكية التي تخبط خبط عشواء على غير هدى.‏

والعثور على الجواب السليم لكل سؤال من هذه الأسئلة لا يتطلب بذل قدر كبير من الجهد, لأن الدخول إلى أعماق المشكلة ومعرفة أسباب انفجار براكينها يقود الخطوات الباحثة عن الجواب.‏

فالأزمة المالية التي فوجئ العالم باندلاع ألسنة نيرانها سبقت بإرهاصات ربما التفت إليها عدد من المحللين الاقتصاديين والسياسيين من داخل الولايات المتحدة الأمريكية ومن خارجها على حد سواء, وهؤلاء العقلاء أرسلوا إشارات التحذير إلى قادة البيت الأبيض والقادة الأوروبيين, لكن أحداً لم يلتفت لهذه التحذيرات وكان ما كان.‏

لقد لاحظ المحللون الذين توقعوا وصول العالم إلى شفير الأزمة الحالية أن الإنفاق الأمريكي المجنون على الحربين الظالمتين في كل من افغانستان والعراق بلغ أرقاماً فلكية, وقد استنزف الاقتصاد الأمريكي استنزافاً رهيباً, ولقد حاولت (واشنطن) سد الفجوة الهائلة التي هددت بابتلاع اقتصادها بإحداث فجوة أدهى فتلاعبت بأسعار النفط, يدفعها لذلك شعور كاذب أنها أصبحت منفردة دون دول العالم الأخرى بتقرير مصير النفط عرضاً وطلباً, والتحكم بأسعاره صعوداً ونزولاً, في الوقت الذي كان فيه الاقتصاد الأوروبي متربصاً بالاقتصاد الأمريكي, وسددت الدول الأوروبية ضربات موجعة للاقتصاد الأمريكي عندما دعمت العملة الأوروبية الموحدة (اليورو) التي أجبرت الدولار على الدخول في سباق جعل الاقتصاد الأمريكي غير قادر على التوقف لالتقاط أنفاسه, وفي ذلك الوقت تابعت الصين فرض نفسها كقوة اقتصادية عالمية تحقق معدلات نمو عالية, وتوجست اليابان خيفة من أن قرارها القديم بحماية الدولار قرار يتطلب بعد ظهور المستجدات الأخيرة إعادة النظر في كل حيثياته ومبرراته.‏

انشغلت (واشنطن) بعزف نشيد الفوضى في أسواق النفط, وكاد البساط يسحب من تحت قدميها دون أن تشعر فالنصر الروسي الحاسم في القوقاز, وإعلان روسيا رغبتها في دور أكثر تأثيراً في مجال النفط دفع الأوروبيين إلى الحضن الروسي الدافئ بينما كانت (واشنطن) تراهن على قطيعة تمتد لأجل غير مسمى بين أوروبا وروسيا وتكون هي الفائز الأكبر الذي يقطف ثمار هذه القطيعة.‏

وفتح التقارب الأوروبي - الروسي عيون الساسة الأوروبيين على هشاشة المركز العالمي للولايات المتحدة الأمريكية, وأخذوا بالتباعد التدريجي عن الفلك الأوروبي, وظهر مصطلح (أوروبة) العالم نداً قوياً لمصطلح (أمركة) العالم وإن كان قد أقبل يمشي على استحياء.‏

ولن نستبق الأمور بالحكم على نتائج القمم المرتقب عقدها, وستكون الأولى في الرابع من شهر تشرين الثاني المقبل, لكن التكهنات تشير إلى قراءة أولية لنتائج هذه القمم ومن أهمها:‏

- رفض أوروبا الدور القيادي الذي مارسته (واشنطن) بكل استئثار وارتضته أوروبا منذ انهيار الاتحاد السوفييتي السابق, والتعامل مع (واشنطن) تعاملاً ندياً لا تبعياً.‏

-إجراء تعديلات جوهرية على النظام الرأسمالي بعد أن تبين أنه غير قادر على تحقيق فكرة الصلاحية لكل زمان ومكان, وتبين خطأ الاعتقاد الراسخ بقدرة السوق على تنظيم نفسه بنفسه.‏

- استعادة الأفكار الاشتراكية قدراً لا بأس به من الحضور في أدبيات الرأسمالية بعدما تبين لأقطاب الرأسمالية أن فيها بذوراً صالحة للنمو, وإعادة النظر في دور الدولة الاجتماعي, ومن هنا نفهم الخطوة العاجلة التي اتخذتها عدة بلدان أوروبية بتأميم المصارف.‏

- فرض رقابة على حركة الأسواق والحد من الحرية الممنوحة لهذه الأسواق بلا ضابط في هذه الأسواق, وهذا ما ظهر جلياً في دعوة رئيس الوزراء البريطاني (غوردن براون) للقيام بهذه الخطوة.‏

وفي الأحوال كلها فإن حجم المشكلات التي ستظهر خلال هذه القمم سيكون كبيراً, وسيجبر القادة الرأسماليين على اتخاذ قرارات يحتاج تطبيقها على أرض الواقع قدراً كبيراً من الصبر, فهل ستكون شعوب تلك الدول صابرة على أنظمتها الاقتصادية والسياسية?!‏

سؤال متروك للأيام القادمة التي ستكون حبلى بكم كبير من المفاجآت والتغيرات في اقتصاد وسياسة العالم الرأسمالي.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية