تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


البذخ في مظاهر الفرح.. كاذب أم حقيقي ?

مجتمع
الجمعة 28/11/ 2008 م
ˆ ملك خدام

صدق أو لا تصدق, إن من آخر صيحات البذخ في الأفراح, أنه يستعد عروسان الآن لإقامة مراسم زواجهما في الفضاء خلال رحلة تستغرق ساعة عبر صاروخ, سيطوف بهما على ارتفاع 100 كم

فوق سطح الأرض, مقابل 2,5 مليون دولار. وستعمل على تحقيق حلمهما شركتان تعملان في مجال الطيران وأبحاث الفضاء, هما الأميركية (وكيت بلان غلوبال) واليابانية (فيرست أدفانتيج).‏

وقالت الشركتان في موقعهما الإلكترونيين إنه سوف يحصل العروسان على ألبوم صور تذكارية للرحلة إضافة إلى عقد زواج يثبت أنه قد تم في الفضاء.. وسيكون بوسع العروسين إن رغبا في دفع المزيد بث تفاصيل الرحلة على الهواء مباشرة للأهل والأصدقاء ولمن يرغبان من المعارف. والمفارقة أن يأتي هذا الخبر في الوقت الذي نسمع فيه بموت آلاف الجياع في العالم والسؤال: لماذا نقرأ بين حين وآخر عن طفرات في حفلات الزفاف التي يتم بعضها تحت المحيط وبعضها الآخر على سطح القمر أو المريخ ولماذا هذا البذخ اللامتناهي في مظاهر الفرح?!‏

بداية نقول: إن موجة الغلاء وارتفاع الأسعار- كمتغير اجتماعي ناجم عن ظرف اقتصادي استثنائي لم تفلح- في زعزعة مظاهر البذخ في الأفراح.‏

إذ أكد أكثر من صاحب صالة أفراح, أن الحجوزات لديه مستمرة, والأمر يحتاج عند بعض الصالات إلى تسجيل دور ودفع رعبون قبل شهر أو اثنين.. من موعد حفل الزفاف.. والأعجب من ذلك أن تجد بين الحاجزين فقراء يصرون على إقامة فرحهم في صالات الأفراح طمعاً (بالنقطة) التي قد تغطي نفقات الحفل وتزيد, أو (وهنا الطامة الكبرى) بالكاد تغطي ربع أو نصف النفقات, لأن الدعوة كما أخبرني العروسان لفرد تتحول إلى عشرة أفراد من ذات الأسرة بما فيهم -الأطفال- والنقطة لا تتجاوز ال 500 ل.س فقط لا غير..المشكلة أنه أصبح العرس في صالة تقليداًِ وعرفاً راسخاً بين أغلبية الناس, ولا يجوز المساس به.‏

ويبدو أن صالات الأفراح غدت استثماراً أهم من استثمارات النفط, بدليل تصاعد أرقام تراخيصها, وتنافسها في تقديم -طرائف- الزفاف, التي لا يختلف في الإقبال عليها الغني عن الفقير, المتعلم عن الجاهل, المثقف عن الأمي.. بحيث نجد أنفسنا نتراكض بين قصور الأفراح لنلعب دوراً أحمق في هذه الزفة المهلكة التي تسميها بطاقات الدعوة (فرحا) وهي ليست أكثر من فخ ينصب كل ليلة للإيقاع بالعروسين وجعلهما يرزحان منذ عقد القران تحت وطأة الديون والقروض والفوائد.. وفي جولة على أسواق مستلزمات عقد هذه الأفراح, من بطاقات تطبع على أفخر وأثمن أنواع الورق والموشاة بعروق الذهب وحواشي الدانتيل, واكسسوارات العروس, وفساتين الزفاف وفساتين السهرة, وسوق الذهب والماس.. وصالونات الحلاقة والتجميل, لقرأنا أسعاراً خيالية ونفقات لها أول وليس لها آخر ولا يقتصر الأمر على المجتمع المحلي, وإنما نجده عموماً في المجتمعات العربية, وخصوصاً في بلدان الخليج العربي..‏

فقد نشرت إحدى الصحف العربية أن مصاريف النساء في الأعراس تجاوزت أربعمئة مليون ريال في الخليج, وتتكلف المرأة ما بين 25 إلى 30 ألف ريال لحضور ليلة فرح -وهي واحدة من الحاضرات- فما بالكم بالعروس التي قدر ثمن فستانها بخمسمئة ألف ريال, ناهيك عما تتقلده من ذهب وماس., فقد قدر مسؤول عن شركة (دي سيريس) وهي أكبر شركة ماس في العالم أن حجم سوق شركته في منطقة الخليج أكثر من بليون دولار. في حين دلت الاحصائيات والدراسات الاقتصادية أنه أكبر ثالث سوق عالمي في الذهب وبعضهم قدَّر حجمه بثلاثة بلايين دولار سنوياً واللافت -كما حدثنا أصحاب الصالات- أن البعض يصر على تقديم البوفيه بأوان وصحون ذات ماركات عالمية كما يتفننون في اختيار الزفة, وأحد المتنفذين -طلب الطعام- بطائرة خاصة من بلد أوروبي, واعتذر عن قبول النقوط والهدايا للعروسين, لا بل زاد عن ذلك أن قدم للحاضرين وسط (صرة الملبس) ليرة من ذهب.. ورغم ذلك هو لم يرض الحضور, فقد سمعنا أحدهم يعلق قائلاً: كل هذا الغنى ويستفقدنا بليرة ذهب, هل كانت تنقص ثروته كثيراً لو جعلها -اثنتين-..‏

ناهيك عن عروض الأزياء التي تشهدها الصالات بدءاً من العروس التي تغير عند كل أغنية (بدلة) وكل واحدة مستوردة من بلد.. مروراً بأهل العروسين الذين يتفننون في عرض فساتين السهرة وأرقى البزات الرجالية من أفخم الماركات العالمية, انتهاءً بالمعازيم الذين لن تميز -العروس- بينهم- أو العريس, وما حدا أحسن من حدا..‏

بالمناسبة ليس هذا الترف في مظاهر الفرح حكراً على الأغنياء, وإنما استشرى حتى في أوساط الفقراء, فكم من فقير يحرص على الظهور بمظاهر الترف الكاذب ولو تراكمت عليه القروض والديون..‏

فهذا أحمد يتعاقد مع بيت أزياء معروف لإظهار عروسه خلال حفل الزفاف بأغلى الفساتين- ولكن بالأجرة- كما أنه تعاقد من جهة أخرى مع محل مجوهرات تقليدية, ليقلدها أمام الناس أكثر من طقم ماس تقليدي.‏

في حين استعار (ليموزين)أحد الأصدقاء, وادعى أمام الحضور أنها ملكه الشخصي..‏

هي مظاهر من الفرح الكاذب لا تلبث أن تنفجر كفقاعة صابون بمجرد خروج آخر المعازيم من كرنفال النفاق الاجتماعي, الذي تكتشف متأخراً وأنت تنتهز أول فرصة للتسلل خارجاً, أنه حضر فيه كل شيء إلا الفرح بعفويته وببساطته, ومن طرائف مظاهر البذخ في الأفراح أن تشهد الصالات -اعتذاراً- عنها بسبب خلاف مثلاً على عدد الذبائح, أو كما أخبرنا المؤذون بسبب الخلاف على مقدار المهر, الذي لا بد أن يشهد بورصة حقيقية في هذه الأجواء الخرافية, فالأب يصر أن يكون مهر ابنته أعلى من مهر خالتها, ووالد العريس يصر على جعل مهرها مثل مهر أختها.. وهنا تبدو العروس وكأنها تباع في مزاد علني ولا سيما عندما يلتفت والد العريس إلى والد العروس قائلاً: هل تزوجها بهذا المبلغ أم نذهب والبنات كثير..‏

وفي حال التعنّت, فركس العرس, وهدرت المصاريف.. وبددت الأموال.. وليس هذا بمستغرب أن تنتهي أعراس هذا الزمان بانهيار الزواج في ليلة الزفاف بسبب العناد وضيق الصدر بالنفقات.. والمشكلة ألا تحمل هذه الأفراح سوى عنوان واحد, هو (كيد العوازل) بالتباهي والتفاخر والإعلان للملأ بهذه المظاهر البراقة أني (غني).‏

والمسألة كما تبدو -مرض- فالبذخ في مظاهر الفرح -كاذب كان أم حقيقي- هو مرض اجتماعي حقيقي أفرزه السعار الاستهلاكي, وانحراف التربية, وسوء التوجيه..‏

والقضية في النهاية قضية ثقافة ووعي, تفترض الانفتاح على العالم, من أجل خلق عرف جديد للأفراح بلا إسراف أو تبذير.. فالمرض على ما يبدو مرض مزمن ويحتاج لعلاجه جرعات وعي مقطّرة وطويلة الأمد.‏

تعليقات الزوار

عبدالعليم زيدان |  zedan56@gmail.com | 28/11/2008 13:22

تحية من القلب إلى ملك خدام كاتبة هذا المقال الملفت للإنتباه حقاً وبالفعل هذا مايحصل في هذه الأيام فالأمر لم يبق مجرّد تعبير عن الفرح ولكن أصبح من ضروب المفاخرة بين بعض فئات المجتمع الذين أعتبرهم قمة في التخلف والجهل ليس من باب الغيرة والحسد لا سمح الله ولكن من باب الشفقه عليهم حيث أن أغلب هذه الأعراس (المطنطنه)تنتهي إلى الطلاق المبّكر وأحب أن أنوّه أنّ في مدينتي الصغيره سراقب يوجد أكثر من عشر صالات للأفراح وهي لايتجاوز عدد سكانها 30 ألف نسمه شكرا مره ثانيه لهذه الإشاره الصادقة ونتمتنى أن يعتبر هؤلاء المسرفون ويتذكرون أن هنالك من لايمتلك ثمن رغيف الخبز

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية