وتسقط في العشرين من شباط أولى الجمرات وتسمى الجمرة الصغرى حسب الروزنامة المناخية الشعبية , ويرون في الموروث الشعبي وحسب المتابعة على مر الأزمان أن الدفء يسري ابتداء من اليوم , ولكن لا يشعر الناس عادة بدفء ملموس قبل سقوط الجمرة الثانية وتسمى الجمرة الوسطى وتأتي عادة في السابع والعشرين من شباط , أما الجمرة الثالثة الكبرى ففي السادس من آذار، وكان الأقدمون يرون أن الدفء يسقط من السماء، لذلك عبروا عن بدء سريان الدفء وكسر حدة البرد بسقوط الجمرة.
والمفارقة الطريفة في أحوال المناخ أن الليلة التالية لبداية سريان الدفء بسقوط الجمرة الأولى، وهي ليلة الحادي والعشرين من شباط تسمى في الموروث الشعبي ليلة الوحدة لانفرادها بشدة البرد دون غيرها من الليالي التالية لسقوط الجمرة الأولى, ومن الصدف أن تتم الوحدة المصرية السورية في 21 شباط من عام 1958 وهو اليوم المتمم لليلة الوحدة.
ويبدو أنه لم يصدق من التوقعات المناخية المعتادة في هذا العام سوى ليلة الوحدة فأطل البرد علينا في خمسينية هذا العام بحياء، ومر السعدان سعد الذابح وسعد بلع دافئين دون أمطار تذكر، في حين اخذ الجو يميل للبرودة خلال اليومين الماضيين السابقين لليلة الوحدة وكان يشتد ليلا، في حين كان من المعتاد في الأيام الخوالي أن البرد الشديد يستمر في الارتفاع تدريجيا إلى منتصف شهر شباط, وتتعاقب موجات البرد بسبب الرياح الشمالية وعوامل جوية أخرى.
ويسمي أهل الريف أربعينية الشتاء فحل السنة لأنها تعد أهم مراحل فصل الشتاء وتعتبر مؤشرا على خصوبة العام , كما يعولون على أن تعوض الخمسينية ما فات في الأربعينية، الا أن مرور الأربعينية لهذا العام مرور الكرام، وانقضاء نصف الخمسينية دون كميات مناسبة من الأمطار يعني أن هذا العام لا تنطبق عليه أي من التقسيمات الشعبية المتوارثة لفصل الشتاء، وجاء على خلاف ما شهدناه في العام الماضي ومغايرا لما عرف عن أحوال هذه الفترة، ففي الموروث الشعبي إشارة واضحة إلى شدة البرد في مطلع الخمسينية فقالوا عن بدايتها: ( سبعة سم وسبعة دم وسبعة يسيل الدسم ) والسم والدم هو البرد الشديد, وسيلان الدسم للإشارة إلى تحسن الجو.
ومن المفيد أن نذكر هنا أن الأقدمين كانوا يرون أن شمس شهر شباط مؤذية، ومثل هذا القول يحتاج اليوم إلى دراسة علمية، ليحدد لنا العلماء أضرار التعرض لشمس شباط، فقد قالوا قديما على لسان العجائز: ( شمس شباط لكناتي، وشمس آذار لبناتي، وشمس نيسان إلي ولشيباتي ).
وفحوى القول أن هذه العجوز تريد الضرر لزوجة ابنها نظرا للتناقض التاريخي بين ( الكنة والحماة ) بينما تريد لبناتها شمس الربيع، وتبقي لنفسها شمس نيسان وهي الأكثر دفئا مع حلول فصل الربيع.