تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


إلى من يهمه الأمر...سكسوكة الرسام

ثقافة
الجمعة20-2-2009
يوسف المحمود

( تابع) سكسوكة الرسام المدببة، ربما لتناسب وجهة الضيق النحيف، بما يقال في مثله، مزورب! السكسوكة إذا أو مأت لزينب إلى فوق أنه لا يريد أجراً، على رسمها، هذه المرة، منفردة. شفتاه تمتمت، دون أن يلوح بأي معنى أو يشير ولو بإحدى عينيه المزمكتين، ربما من الشمس،

أو بما يحدد النظر خلسة أو عمداً بل قال بلسانه. أن تسامحه زينب فقد تدخل بالرسم. هو غلبه حسه الفني؟ أو هي نفسه الظنونة؟ أم وقفة زينب بقامة السومرية الأولى، في ملتقى الفرات ودجلة؟ أم هي بدوية، اتشحت بالعباءة. تخطو في أحد طرفي جسر دير الزور الهزاز. بشيء مما قيل :« عيون المها، بين الرصافة والجسر/ جلبن الهوى من حيث أدري ولاأدري»؟ أو هي واقفة بلباس البحر، على شط« تموشنت».‏

أقرب ما يكون البحر الأبيض من مدينة سيدي بلعباس. في الغرب الجزائري- ولاية وهران « الزاهية الباهية»!‏

أصلاً، أنا لا أسعى إلى القول افتراضا تصوراً حقيقة ولا مجازاً أن ذلك الرسام بالقلم. قد كان كأب زينب، واحداً من عساكر فرنسا.‏

أول ما دخلوا بطريق مرج عيون جنوب لبنان مروراً بدمشق، حمص وحماة بعضهم أنزلوا في دير الزور، الحسكة والقامشلي. وبعضهم أنزل في الأسكندرونة، لملاقاة ما أنزل في طرطوس واللاذقية. لا أدعي ولا إلى القول أن زينب لحوقاً بزوجها من لبنان.‏

وأمها من دير الزور كذلك لحوقاً بزوجها عندما أجليت فرنسا بكل أثر لها، أو منها، في سورية في الثامن من نيسان. ونهائياً، عيد الجلاء 17 نيسان سنة 1946 والكل ما عدا زوج الأم وابنتها. أول ما وجدناهم، معارين للجزائر، سنة 1970، للتدريس، في سيدي بلعباس، بني باريس، كما سمعناهم يدعونها، عن الفرنسيين. الذين أجلوا بدورهم، عن الجزائر كمثل ما كانوا، قد أجلوا عن سورية!‏

وهذا اليوم من آب، 1974. زينب بصحبتنا، لزيارة أخوالها، في دير الزور تقف إلى رسام، في طرف من ساحة كاتدرائية فينيسيا. الرسام بهيئة ما تقدم ينظر في وجه: « لا ني بيضه» سحقاء كنسوة من شمال أوروبا، أو إحدى ولايات أمريكا الشمالية. وجدناهن يزرن فينيسيا كبلد شرقي . يغمضن أعينهن حتى من تحت النظارات الواقية.‏

بياض أمسح بلا لون، كرغيف الدقيق. عرفناه عندنا، السنة الثانية والثالثة، من الحرب العالمية الثانية ربات بيوت الضيعة يخبزنه على التنور. يقلن رغم الحاجة الماسة إليه:« القرد يضربه! صحيح أنه أبيض ولكن لا طعمه، ولا دسمه، حتى ولا رائحته. يعلك ويعلك بالأسنان والأضراس معاً، كما المطاط لا يثقل بطناً، ولا يسقي ماء!» ولاني سمره حنطية ، ولاغير حنطية بل كالشحار في سقف التنور أسود وكالح الرسام كان يشيح بوجهه، عن امرأة بهذا اللون يكشش البدن كما حرنباية الشويس!‏

حاشا وجه زينب صحيح أنه شرقي مشمس،كما يقال ولكن كما تشمس الملوخية مفرودة والبامياء الديرية مشكوكة بخيط في فيء شجرة، أو في البيت وإما كخيطان الدخان ترى منشورة في أشجار الصنوبر من على جانبي الطريق سواء سلكت إلى رأس البسيط، من جهة كسب أو صعدت من وادي قنديل بطريق اليسوعية أو قسطل معاف أو من غابة الفرنلق! .‏

وكذلك خصوصية وجه زينب لذلك الرسام، في أحد أطراف ساحة كاتدرائية فينيسيا. كأنما مايزال يتردد فيها من الجندول،قول علي محمود طه أول أربعينيات القرن العشرين: أين من عيني هاتيك المجالي/ ياعروس البحر، يا حلم الخيال، موسيقا وغناء محمد عبد الوهاب!‏

(سيلي)‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية