إن تغييب سورية عن حضور اجتماعات مجلس الجامعة يعني أن هناك طبخة خطيرة للسم الزعاف سيتم تمريرها على عجل من خلال هذا المجلس وذلك على خلفية المثل القائل «غاب القط العب يا فأر» وعلينا أن نحصر تفكيرنا الآن في معرفة حقيقة هذه الطبخة بعد أن عرفنا واقع الطباخين!!.
ودون أن نسترسل في الشرح والتحليل دعونا ندخل إلى المطبخ لمعرفة ما يحتمل أنه يطبخ.
يعرف الجميع أن مجلس الأمن الدولي تعامل مع الطلب الفلسطيني للاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود أراضي العام 1967 بصيغة الطلب المعلق وليس المطلق والآن ماالذي ينتظر أن يحدث في الجامعة؟
نتوقع أن يتقدم البعض بطرح صيغة أميركية تبدي الاستعداد بتمرير هذا الطلب الفلسطيني للاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة بعد تعديله بحيث ينص على حدود مؤقتة وفق الصيغة الإسرائيلية على أن يجري التفاوض بين الدولة الفلسطينية المستقلة وبين إسرائيل على الحدود النهائية مقابل التزام الجامعة بأمرين:
1- الاعتراف بإسرائيل وإقامة علاقات دبلوماسية معها على أساس «مبادرة السلام العربية».
2- المباشرة في إجراء مفاوضات بين الدول العربية وإسرائيل وتركيا لإقامة منظمة مشتركة للتعاون الإقليمي.
وعلى هذا النحو فإن ثمن قيام «الدولة الفلسطينية» المستقلة ضمن حدود مؤقتة سيكون تنفيذ مشروع «الشرق الأوسط الكبير» وستكون الدول والقوى الممانعة لهذا المشروع مصنفة باعتبارها مارقة يجري التعامل معها على قاعدة ومنهج «التطويع» وتسهم في هذه العملية كل الأطراف التي قبلت بـ «التطبيع».
نحن إذاً أمام حرب سافرة تشنها القيادة الإسرائيلية -الأميركية المشتركة التي فضح أمرها الرئيس الأميركي أوباما في لحظة غفلة حين قال لتابعه الفرنسي ولا نقول شريكه أو حليفه طالما أن ساركوزي كان يجهل أمر وجود هذه القيادة ومهماتها - بأنه «مجبر على التعامل مع نتنياهو بشكل يومي» فالتعامل بشكل يومي يعني وجود قيادة مشتركة تدير المعركة ولا يمكن أن يحمل غير هذا المدلول وإذا كان أوباما نفسه- وهو في قمة هذه القيادة- يعتبر نفسه «مجبراً» فإن «المجبرين» من الأعراب التابعين كثر وماحدث ويحدث في الجامعة العربية يدل دلالة قاطعة على ذلك ويبقى التساؤل محلقاً عن وجود قائد أعلى يفرض إرادته حتى على أوباما بإجباره على التعامل اليومي مع نتنياهو وهل هذا القائد الأعلى أو الملك أو الرئيس هو هنري كيسنجر أم زعيم يهودي صهيوني آخر لأنه من المستحيل أن يكون هذا الذي يجبر الرئيس الأميركي ليس يهودياً.
إن السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه الآن هو التالي: هل ستقبل القيادة الفلسطينية بطبخة البحص الإسرائيلية -الأميركية عبر الجامعة إذا ما طرحت أم سترفض هذه الطبخة؟ وإذا قبلتها القيادة الفلسطينية على قاعدة مجبر أخاك لابطل وهو ما نتوقعه فهل ستقبلها جماهير الشعب الفلسطيني وأحزابه السياسية وفصائله المقاومة وتستسلم للأمر الواقع أم سترفضها.
إن المشكلة الآن بكل أبعادها الخطيرة وبكل ثقلها ليست ما يحاولون إشغال شعبنا العربي السوري به من مشكلات على خطورتها كما يسعى الإعلام الإسرائيلي المتمثل بقناة الجوز -إرا (عصر اليهود) التي ترتدي عباءة قطرية وقناة «العربية = العبرية» التي ترتدي عباءة سعودية تجارية وإنما هي مشكلة فلسطين التي تجري محاولة اغتيال بإشغال سورية بهمومها عنها وبإبعادها المتعمد عن مركز صنع القرار العربي.
إننا نقول اليوم بكل ثقة إن سورية العربية ونضع تحت كلمة العربية مليار خط لم تكن في أي وقت مضى أقوى مما هي عليه اليوم بعد أن تكشفت أبعاد المؤامرة ولكن قضية فلسطين هي الآن في خطر، وأهم من يعتقد بأن هذا الخطر مصدره هذا الحاكم أو ذاك بل مصدره أميركا وإسرائيل ومن باطل الأباطيل أن نخاطب قطيع العملاء بالمنطق أو أن ننتظر منهم آذاناً صاغية أو تفتيحاً للعيون العمياء أو العوراء فهم -كما أثبتوا- عملاء صغار مسيرون وليسوا مخيرين ومن هنا نتوقع مسبقاً الموقف الذي يمكن أن يتخذوه في جامعتهم بغياب المندوب السوري ليجهزوا على فلسطين وقضيتها.
في ذات يوم من العام 1976 قال ياسر عرفات رحمه الله في معرض الرد على من يسعون لإثارة الشقاق بين سورية والمقاومة الفلسطينية معترضاً ومنبهاً فذكرهم بالقول المأثور «أكلت يوم أكل الثور الأحمر» ولو كان ياسر عرفات حياً اليوم لما وجد من عبارة يطلقها رداً على مافعلته الجامعة غير التذكير بهذا القول من جديد فالذين يريدون ذبح الفلسطيني يعرفون أن هذا مستحيل من خلال جامعتهم بوجود «السوري» ولذلك كان لابد من إبعاده عن طريقهم والانفراد بفلسطين وقضيتها لنحرها.
والآن، أليس من حقنا، ومن واجبنا أن نتوجه إلى أبناء شعبنا العربي الفلسطيني أولاً وإلى كل الجماهير العربية والإسلامية والإنسانية المؤمنة بعدالة قضية هذا الشعب لنقول لهم: انتبهوا فإن عنق فلسطين الآن موضوع تحت سكين المتآمرين مع القيادة الإسرائيلية الأميركية المشتركة من أعراب وغير أعراب فهل نتركهم ينحرون فلسطين؟
أليس من حقنا أن نوجه هذا السؤال بشكل خاص إلى أبناء شعبنا العربي في مصر لنقول لهم: أمن أجل تنفيذ المخطط الأميركي- الإسرائيلي كانت ثورتكم؟ وهل تقبلون لمصر أن يتحول وزنها في الجامعة العربية وفي الدنيا -وهي أم الدنيا- إلى صفر؟.