وهاهي نفس القصة، تعود إلى الواجهة من جديد، فكان عرض (الزير سالم ) (الفرد فرج) بشكله الأخير على صالة مسرح متعددة الاستعمالات بدمشق بإشراف الأستاذ حسن عويتى كعرض تخرج دفعة التمثيل للفصل الاول في المعهد العالي للفنون المسرحية، حيث تم توظيف أحداث النص بشكل مختلف، وقد ارتبطت أصلا بدوافع انسانية وعادات وتقاليد ومفاهيم الثأر والوفاء وغيرها الكثير ما دفع الزير سالم إلى الانتقام لأخيه كليب.
ففي حالة مقابلة في الدراما التلفزيونية، تم تناول الموضوع من قبل الكاتب الراحل ممدوح عدوان بمنطقية موضوعية، وقد تعاملت الشخصيات مع الأحداث والحالات بشكل خاص، فكانت أفعالها منطقية دوما، وكانت ردا على المقدمات التي بدأت بها، ردود أفعال إنسانية تتوازن مع الأفعال وحوارات غنية وفق آليات، نهضت على أرضية مقنعة، ارتبطت بالطباع الانسانية والحدث، وإعطاء كل شخصية حقها في التعبير عن ذاتها كشخصية حاضرة، جعلت العمل لا يغيب عن الشاشات الفضائية، رغم إنتاجه منذ عشرات السنين، أما هنا تناول العرض قصة الزير سالم بآليات مختلفة ورؤية معاصرة، فتم التقديم للكثير من الأفكار المتجددة التي تقدم مقولة، ارتبطت بأحداث راهنة عشناها وهي الحرب، مسلطة الضوء على الافكار السوداوية التي اتسمت بتطرف مقيت، عادت للزير، لكن هنا حضر طرف آخر، كان نقيضه، تحلى بالإيجابية ونسيان الماضي من أجل المستقبل، فحضور محاور جديدة، دعت إلى السباق مع الواقع وتجاوزه، وذلك لخطورة تلك الأفكار التي استندت على الانتقام، وهي كفيلة بتدمير أي حالة صحية في المجتمع.
من هنا تم لفت النظر إلى مسألة ضرورة التغلب عليها, لأن تجاوز المشكلة تلك مهما كان مستحيلا، هو الحالة الصحية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وذلك بحضور حلول بديلة كالعقلانية والتسامح، لأن النتيجة خطيرة على الجميع، خصوصا أن المجتمع السوري عانى ماعاناه من الحرب، ليحمل العرض إشارات بضرورة التغلب على الواقع الذي جلب المأساة ليتم تجاوزه، لذلك لابد من حلول أخرى مختلفة، تكون قادرة على تجسيد الحل الايجابي القادر على تجاوز الصعاب والتغلب عليها، وهذا ما جسده المحور الذي يعود لابن كليب.
نص الزير سالم وعالمه عالم غني جدا، امتلك إمكانية توظيفه في مجالات عديدة، مثلما كان هنا في العرض المسرحي الذي جسده الطلبة بآليات احترافية، أظهرت إتقانهم لشخصيات هذا العالم والمهام المراد إيصالها مع النص الجديد، حيث حمل إسقاطات تتماشى مع قضايا راهنة، رغم كثرة الأعمال الفنية التي تدل على تميز القصة الشعبية التراثية، التي عاشت في وجدان الناس لأكثر من سبب، وإن كان منها ما هو بدافع من الوقاء والبطولة، إلا أن المبالغة في أي حالة كانت، تحمل الكثير من المساوئ، وهنا جمالية الفن القادر على تقديم القراءات المختلفة لآي حالة إشكالية.