|
هموم اجتماعية في بلاد الاغتراب مجتمع وقبلها دفع سعيد الذي عاش في فرنسا لأكثر من أربعين عاماً, ببناته إلى عمهم ليزوجهن من - ابن البلد - بعد أن ضاقت خيارات الزواج لديهن في بلد الاغتراب, من نفس الخلفيات الثقافية أو من البلد الأم. وهذا ما ينتج عنه زيجات تفتقر إلى المكون العاطفي الذي يشكل ضمانة لاستمرار روابط المودة تحت سقف الزوجية ويفاقم في الآثار النفسية لهذه المشكلة قلة وجود أصدقاء للعائلة يمكن الوثوق بهم, للتدخل في حل بعض الخلافات الداخلية التي قد تنشب بسبب الجفاء العاطفي بين قطبين أحدهما يحمل هوية وثقافة بلد الأم الذي اغترب عنه الطرف الآخر لسنوات طويلة من العمر والثاني تشرب من هوية وثقافة وحتى قيم وعادات وتقاليد بلاد الاغتراب. وكثيراً ما يكون هذا الجفاء العاطفي سبباً في حدوث حالات الطلاق والانفصال وتفكك الأسرة, مع ما يرافق ذلك من مشاكل تنبع من هذه الاختلافات الثقافية والقانونية بين ما هو موروث من الثقافة الأم, وما هو مكتسب من رؤى ومبادئ قانونية وإجراءات تطول مفهوم الولاية داخل الأسرة سواء على المرأة أو على الأطفال في سن الصغر. فهذه وداد قد اضطرت بعد زواجها من ابن خالتها, وإنجابها لطفلة جميلة منه في بلاد الاغتراب, للعودة هاربة إلى مسقط رأسها مع صغيرتها التي لم تستطع الاستمرار في حضانتها, ولاسيما عندما بلغت السن القانونية للتعلم في المدارس الرسمية, التي اعتذرت عن قبولها كونها تحمل جنسية أجنبية, ونصحها الأقربون بإعادتها إلى والدها لتحظى على الأقل بفرصة تعليم. والسؤال: هل كانت وداد تصل لهذه النتيجة لو اقترنت بزوج من نفس البلد?! وهل تكون ابنة وفاء, وبنات سعيد أوفر حظاً ياترى من وداد, ويتعايشن مع زواج صنعته ودفعتهن إليه ظروف الاغتراب?! في طرف آخر من المعادلة, كانت نبيهة التي سبق أن تزوجت من ابن خالتها وعاشت معه في الخارج, تصر على الرحيل إلى بلدها الأم, لتخطب لأولادها - السبعة - من بنات أشقائها وشقيقاتها, لأنها حسب قناعتها (تريد إسعادهم) والقريب أولى من الغريب. وقد فشلت زيجتان, مقابل نجاح اثنتين من بنات البلد, في حين استمر زواج الأصغر والأوسط من أولادها اللذين اقترنا بفتاتين من نفس بلد الاغتراب, والمفارقة أن بكرها الذي سافر إلى فرنسا للدراسة واقترن بزميلته هناك, انفصلا تماماً بعد أن أنجبا - ثلاثة - من الأولاد. شعور حاد بانعدام الثقة والأمان, اختزلته وداد التي عادت هاربة إلى بلدها الأم.. محاولة شرح محدودية شبكة العلاقات الاجتماعية والصداقات التي تبقى محصورة في إطار التواصل مع الأسر والجاليات العربية التي تعيش بدورها نمطاً من المشاكل والهموم والشجون.. لعل أبرزها الشعور بالوحدة والاغتراب, فمعظم النساء العربيات في المهجر, وخصوصاً بنات الجيل الأول الذي تجسده - نبيهة - بقين ضمن نمط ربات البيوت, وبالتالي فإنهن لا يساهمن في القوة العاملة في بلدان المهجر بنسبة تنسجم مع نسبتهن في عدد السكان. ويكرس هذا النمط من النساء العربيات في بلدان المهجر الافتقار إلى التأهيل المهني المناسب للالتحاق بسوق العمل في البلد الجديد أو عدم توفر فرصة عمل كافية, ويمكن أن يشار في هذا السياق إلى ضعف اهتمام الدول المضيفة في أوروبا الغربية عموماً بتنمية مؤهلات ومهارات المرأة الوافدة عربية كانت أم غير عربية, وعدم تخصيص برامج خاصة بتأهيل المرأة لدخول معترك العمل, والانفتاح على الآخر. السيدة نسرين دواي, إجازة جامعية في علم الاجتماع والإرشاد النفسي, ذكرت أن المرأة العربية في المغترب ستتولى نتيجة محدودية فرص العمل مهام أساسية في تدبير شؤون المنزل, وتربية الأولاد.. فتحرص على عدم الانفتاح على الآخر كلياً أو جزئياً, وتنصرف بكليتها لتلقين الأطفال لغة الوطن وتقاليده وعاداته وزرع الوازع الديني والأخلاقي في نفوسهم لتجنيبهم مخاطر الوقوع في مطبات يعتبرها المجتمع الشرقي انحرافات أخلاقية وخطايا, فتضطر وهي تجد نفسها في موضع التناقض الكلي والصارخ مع محيطها الاجتماعي الجديد إلى الرفض المطلق للآخر المختلف الذي تعيش بين ظهرانيه, موصدة في خضم ذلك الأبواب أمام الآفاق العريضة والرحبة, التي يفتحها لها وجودها في المجتمع الجديد. وما يؤسف له أن هذا الطريق تسلكه شريحة لا بأس بها من نساء الجيل الأول من المهاجرين العرب اللواتي تبقى حياتهن في الغرب محاطة بمفاهيم قديمة لا تفتح أبواباً تؤدي إلى معارف وسلوكيات جديدة. هذا فقط في النموذج الانعزالي للمرأة العربية في بلدان المغترب فماذا عن النموذج الآخر المنفتح الذي استطاع بالعلم والعمل الانفتاح على الآخر? ليلى أويانق.. فتاة سورية اقترنت بابن خالتها الذي يعيش في الخارج, واستطاعت من خلال ما تحمله من تأهيل في البلد الأم (إجازة جامعية باللغة الإنكليزية) الانخراط في سوق العمل ببلد المغترب, لا بل تمكنت من الاستقلال بعملها بإدارة مكتب خاص (كترجمان محلف) من اللغتين (العربية إلى الإنكليزية وبالعكس) وكذلك من لغة موطن الاغتراب إلى العربية والإنكليزية, والعكس بالعكس. تقول ليلى: عانيت في البداية مثل كثيرات في بلاد الاغتراب من الوحدة والانعزال.. غير أني تمكنت بالمبادرة والاستفادة من المؤهلات التي أحملها من البلد الأم من كسر طوق هذه العزلة, ما أتاح لي الانفتاح كلياً على الآخر, من خلال عملي كترجمان محلف الذي أتاح لي من خلال امتلاك أكثر من لغة التواصل مع ثقافات مختلفة والتمازج مع منظومة القيم السائدة في بلاد المغترب بالطبع مع حرصي كل الحرص على هويتنا العربية, والتمسك بالموروث والتقاليد والأعراف التي نشأت وتربيت عليها.
|