إذ سكن الإنسان منطقة الجولان منذ فجر عصور التاريخ القديم بل وعرفها إنسان العصور الحجرية الذي عاش حول الجولان مبتعداً عن الهضبة التي عاشت نشاطاً بركانياً أعاق الإنسان فيها، إضافة إلى انعدام مادة الصوان الأساسية في صنع أدوات إنسان العصور الحجرية من الجولان البركاني- الاندفاعي.
عمّر الكنعانيون وتفرعاتهم القبلية الجولان على شكل قبائل رعوية وتدل آثار الإعمار الثابت أنه تأخر إلى العهود الآرامية وظهر منذ القرن الـ 13 ق.م كما في الدورة وخان العيون وفيق ويبدو أن التوسع في الإعمار كان في العهد اليوناني- اليليني إذ وصل عدد التجمعات المؤكدة إلى 16 موقعاً وغير المؤكدة إلى 60 تجمعاً واتسع في العهد النبطي- الروماني ثم العهد الغساني- البيزنطي.
حين زاد عدد المواقع 180 موقعاً وجميع المواقع هي عبارة عن تجمعات صغيرة تكاد لا ترقى إلى مستوى قرية وقد تكون مبنى واحداً(حصن، مخفر، أو معبد...) والمهم في المسألة أن هذا الإعمار الثابت استمر مع انقطاع في عهود الفوضى والاضطراب وهجر أو تهجير للسكان وما يشهد على اتصال الإعمار ويؤكده انتشار معاصر الزيت والعنب القائمة على زراعة الزيتون والكرمة التي تتطلب الاستقرار وكذلك انتشار المسكن الحجري الصرف أو (المسكن الحوراني) المبني من الحجر البازلتي البحت، فإعمار الجولان كان ومازال ريفياً- يدوياً(زراعياً- رعوياً) ولم يكن حضرياً(مدنياً) على امتداد العصور السابقة ويرجع ذلك إلى عاملين أساسيين هما:
افتقار الجولان إلى الموارد الطبيعية والثروات الباطنية التي تتطلب قيام تجمعات سكانية كبيرة أو مدن.
وتعرضت المنطقة للفوضى والاضطراب نتيجة الصراع بين القوى الساعية للسيطرة على الموقع الاستراتيجي والممر الواصل بين سورية ومصر.
مد وجزر
عاش إعمار الجولان فترات مد وجزر منذ عهد البيزنطيين وحروبهم مع الفرس ثم في زمن الفتوحات الإسلامية وانتقال حركة الفتوحات إلى الشمال وما تبع ذلك من غلبة حياة تربية الحيوانات بدخول قبائل عربية إلى الجولان وبلاد الشام، فتراجع الإعمار المستقر الثابت ودام هذا الوضع حتى القرن الخامس عشر والسادس عشر حين أخذت بوادر استقرار على شكل خانات ومخافر عثمانية تظهر على طريق دمشق- القنيطرة- فلسطين.
كما استقر عدد من سكان الجولان العاملين بالزراعة في قرى صغيرة مع غلبة انتشار العشائر البدوية ونصف البدوية في المنطقة وتذكر المصادر وجود قرى بدوية ومخيمات شبه ثابتة ومضارب بيوت الشعر والخيام في الفترة المذكورة.
أما الإعمار الحديث فيربطه جمهور الثقاة بتطور الحياة الثقافية والاقتصادية والاجتماعية في بلاد الشام حيث تطورت واحدة من أكبر المدن الجولانية هي مدينة القنيطرة واستمر الإعمار بعد ذلك من دون انقطاع بطيئاً في البداية وسريعاً بعد سنة 1948 حين أصبح الجولان منطقة مواجهة مع الكيان الصهيوني الإرهابي وتدفق التجار والعاملون في الخدمات العامة وغيرها إلى الجولان الذي شكل الجزء الأكبر من محافظة القنيطرة سنة 1964 لكن هذه الطفرة التي وصل عدد التجمعات السكانية الثابتة فيها إلى 237 تجمعاً لم تدم طويلاً إذ تعرض الجولان للاحتلال الإرهابي الصهيوني عام 1967 الذي دمر البشر والحجر والشجر لأن هذا الاحتلال أمعن في الانتقام من سكان الجولان حيث دمر مدناً وقرى ومزارع بالكامل، ومدينة القنيطرة المحررة أحد الشواهد الحية على عملية التدمير هذه لكننا نقول وبالفم الملآن إن الجولان عائد إلى الوطن الأم مثلما تم إعمار القرى المحررة سيتم إعماره ويعود إلى ماضيه الحضاري الذي يدل على أن أرضه كانت ومازالت أرض الحضارات مهما فعل الاحتلال الصهيوني من أفعال تتنافى والقانون الدولي من سرقة لآثاره ومياهه ودفن للنفايات في أرضه.