تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


في «بكرا إلنا»....احتكــــاك بيـــن الأجيـــال لتوليــــد الإبـــــــداع الخــــلاّق

ثقافة
الاثنين23-2-2015
علي الراعي

يأتي المعرض التشكيلي الذي افتتح في صالة «بكرا إلنا» مؤخراً مختلفاً عن معارض التشكيل التي تُقام في العادة، يأتي مختلفاً لأكثر من سبب، وذلك سواء من حيث طريقة العرض، أو من حيث أهداف العرض، والشريحة المستهدفة بالعرض، وغير ذلك.

فصالة العرض «بكرا إلنا» تمّ افتتاحها مؤخراً أيضاً ضمن مشروع ثقافي وجمالي، أخذت الصالة اسم المشروع نفسه وهو مشروع «بكرا إلنا» الذي أقامته مؤخراً محافظة دمشق لأهداف جمالية وثقافية كثيرة، يأتي في مقدمتها شريحة الأطفال، والمعرض الذي أتى «جماعياً» كأول عروض الصالة، هو الآخر جاء مختلفاً حتى في طريقة «الجماعية» فإضافةً لأن المعرض ضمّ لوحات ومنحوتات لأكثر من فنان سوري، قارب عدد الفنانين المشاركين أكثر من خمسة عشر فناناً، غير أنّ ثمة «جماعية» أخرى تمثلت بمشاركة أعمال لأكثر من ثمانين طفلاً، وهذه «الجماعية» هي إحدى غايات الصالة - كما يذكر المشرف عليها الفنان عمّار الشوّا - وصالة «بكرا إلنا» التي تأخذ طبقتين من بناءٍ جميل تم افتتاحه مؤخراً في محيط «نادي محافظة دمشق» جاء بمبادرة جمالية لمحافظ دمشق الدكتور بشر الصبان، ضمن مشروع ضخم لرعاية المواهب الشابة والطفلية من عمر سبع سنوات، وحتى خمس عشرة سنة، تتنوع بين الموسيقا، والنحت، والرسم، والمسرح، ومختلف الفنون الأخرى، وقد وصل عدد المراكز التي تمّ افتتاحها حتى الآن إلى خمس وثلاثين مركزاً لكل نوع من الفنون، تتبع جميعها لمشروع «بكرا إلنا» وذلك في مختلف المياتم، والمدارس الرسمية، ومدارس أبناء الشهداء ومراكز الإيواء والنازحين، وكذلك في مختلف مناطق العاصمة دمشق.‏‏

بكرا إلنا‏‏

والهدف من هذه المراكز - كما يذكر المشرف على مشروع الرسم والصالة الفنان الشّوا - هو بناء الإنسان الذي تأذى كثيراً خلال الحرب البغيضة والإرهابية على سورية منذ أكثر من أربع سنوات هي عمر المحنة السورية، وكانت الخطوة الأولى غاليري «بكرا إلنا» بهدف دمج أو مجاورة نتاج الموهوبين من الأطفال واليافعين الذين خدشت الحرب أرواحهم بنتاج أهم وأبرز الفنانين السوريين، وذلك لخلق احتكاك جمالي خلاق بين شرائح المبدعين السوريين من أجيال مختلفة، أو لتبقى حالة الفن مستمرة، ولتكون «حرباً» جمالية ٍعلى قباحة الحرب والإرهاب التي ابتلي بها الوطن - سورية..‏‏

و«بكرا إلنا» هي عبارة صالة مؤلفة من طبقتين لكن لا انفصال بينهما، عُرضت في الطبقة الأولى أعمال الموهوبين من الأطفال واليافعين، وفي الطبقة الثانية نتاجات الفنانين المحترفين، وهما بكل الأحوال طبقتان مفتوحتان إذا تمّ استغلال كل المساحات بين الطبقتين لعرض اللوحات على الدرج وفي الفسحات، وغير ذلك، بحيث شكلت الطبقتان صالة واحدة للنوعين من عروض الأطفال واليافعين والفنانين أصحاب التجربة الطويلة.‏‏

تنويعات جمالية‏‏

وفي قراءة سريعة لبعض لوحات الفنانين، ثمة ثلاث لوحات نحت للفنان فؤاد طوبال، اثنتان منها نحاس، وأخرى خزف، وهو يتناول، أو يأخذ من كل هذه المسائل اختصاراتها، منحوتة تظهر على التخوم بين التجريد، والتجسيد، الأمر الذي يُشحن العمل النحتي بطاقة تعبيرية عالية، وهذا ما نقرأه في «بازلتيات» الفنان فؤاد أبو عساف، التي تبرز مقداراً كبيراً من الجمال، وهذا التعالق بين التجريد والتشخيص، وتحميل الحالات الإنسانية، استطاع الفنان هنا أن يحمّلا العمل النحتي الكثير من التأويلات، والقراءات، ولا يبتعد عنهما كثيراً نحات آخر هو نقيب الفنانين التشكيليين في سورية الفنان إحسان العر، لكنه ذهب بعمله صوب الواقعية أكثر. أعمال نحتية مشحونة بالانفعال والعاطفة، لكنها أيضاً العاطفة المواربة التي لا تفصح عن نفسها تماماً.‏‏

ثمة لوحتان أكليريك للفنانة أسماء فيومي، وأربع لوحات أخرى للفنانة بتول ماوردي لوحات يُتابع خلالها المتلقي تنويعات موسيقية تتصادم مع بعضها البعض وتتهادن في مشهد دراماتيكي خلاق تُعاشره إشارات لونية متواشجة ومتشاكلة في آن، ماثلة، ومؤثرة على امتداد الألوان الحارة وسطوعها القريب من خط مرمى القماشة البيضاء. لايبتعد عن هذا المشهد البصري لوحتان للفنان زهير حسيب بشهوانية مع الانفعالات الشاعرية والبوح القوي الصارخ لمناداة الآخر المضاد أو الحاضر في جسد موقع اللوحة, الألوان المركبة التي تشبه إسقاطات شعرية مثل حركة سلالم الموسيقا وتناغمها أو تنافرها.‏‏

لأجل الثقافة البصرية‏‏

بدورها تميزت أعمال مشرف الصالة ومدير مشروع الرسم، الفنان عمّار الشوا باتجاهين الأول:مثلتّه ثلاث لوحات، شكلت الحالة الحلمية، بتلك اللوحة التي تذهب إيغالاً صوب الأرض الفينيقية القديمة لتأخذ من رموزها حمولات موحية بعشرات التأويلات الجمالية لن تنتهي عند دلالات ثور، أو بذلك العشق لبنفسج نادر وجوده في الطبيعة، هذه الحالة الرمزية كانت أكثر وضوحاً في لوحات الغرافيك التي شكلت مؤخراً منعطفاً جمالياً في تجربة الفنان الشوا في أكثر من لوحة بالحبر الأسود، وهي أعمال جاءت مغرقة في رمزيتها، وذلك بتحميل الكثير من الأفكار المجردة لنصوص واقعية، وإذا كانت لوحاته الزيتية يتسيدها البنفسج، فإن لوحات الغرافيك بطلها المتواصل طائر الشحرور، الذي رغم إغراقه بالسواد، غير انه يُنير الأمكنة بصوته الرائع والجميل طول الوقت. وهنا نُشير في هذا المجال إلى لوحتي الفنان غطفان حبيب، الذي هو الآخر اتجه صوب سورية العتيقة ليستعير الكثير من رموزها القديمة، ويُنشئ منها عمارته الفنية والجمالية.‏‏

المعرض كان متنوعاً بالاتجاهات الفنية على اختلافها، فمن النحت، والتصوير، إلى الحروفية التي تمثلت بشغل لوحتين لوليد الآغا إلى النحت على أقصى الصخور، وثمة أعمال لا تقلُّ أهمية لفنانين لا يتسع المجال لذكر أسمائهم وقراءة أعمالهم.‏‏

وبرأي الفنان عمار الشوا، فإن غاليري «بكرا إلنا» قد تُشكل نواة لمتحف يرتقي بالثقافة البصرية بما يليق بالمشهد التشكيلي السوي، وذلك بعد تراكم عروض فنية متتالية، يُنتخب منها معروضات لمثل هذا المتحف الدائم العروض.‏‏

alraee67@gmail.com‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية