ولاشك في أن زيارتي الرئيس الأسد لتركيا الحالية والماضية عام 2004 حيث كانت الأولى لرئيس سوري منذ الاستقلال, أسهمتا بشكل ملحوظ في نقل العلاقات بين البلدين إلى صيغة أكثر دينامية ونفعاً لهما تعكس ما يجمعهما من عوامل جامعة تاريخية وثقافية وجغرافية, كان من المنطقي أن تتوج بتحقيق المصالح المتبادلة وتالياً توحيد أو تقريب الرؤى إزاء المخاطر المشتركة التي تهدد كلا البلدين وعموم المنطقة.ولاشك في أن وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في تركيا عام 2002 ساهم بدوره في تسريع نمو العلاقات بين البلدين حيث اختارت تركيا في ظل حكمه توسيع سياستها الخارجية والتوجه جنوباً وشرقاً بعد أن ظلت لعقود تتطلع فقط غرباً باتجاه الاتحاد الأوروبي.
كما تأثرت التوجهات الجديدة لتركيا قبل ذلك بحدثين كبيرين هما أحداث 11 أيلول والحرب على العراق, فضلاً عن المماطلة الأوروبية في مسألة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي.
وقد ساعدت هذه الأحداث في إعادة صياغة سياسة تركيا الخارجية لتكون أكثر انفتاحاً على محيطها العربي والإسلامي, حيث باتت تركيا لاعباً جدياً يتنامى دوره في غير ملف من ملفات المنطقة بدءاً من جهود أنقرة لدفع جهود السلام العربية الإسرائيلية على المسارين السوري والفلسطيني مروراً بمساعيها الحميدة لتحقيق المصالحة الوطنية في لبنان وفلسطين وصولاً إلى مشاركتها النشطة وتعاونها مع دول الجوار العراقي لتطويق الآثار السلبية لأحداث العراق على دول المنطقة ويشكل استضافة تركيا لمؤتمر اسطنبول مطلع الشهر المقبل الخاص بدول الجوار العراقي أحدث مساهمة تركية في هذه الجهود.
ولاشك أن التطورات التي شهدتها المنطقة والعالم في السنوات الأخيرة وخاصة العدوان على العراق, ساهمت في التقريب بين البلدين اللذين عارضا بقوة هذه المقامرة الكارثية التي جاءت إفرازاتها وتداعياتها لتمس بشررها مصالح مجمل شعوب المنطقة وفي المقدمة تركيا وسورية حيث حديث تقسيم العراق لم يعد مجرد تحليلات صحفية, بل يوشك أن يتحول إلى سياسة رسمية للولايات المتحدة بعد تمرير قانون بهذا الشأن في الكونغرس مؤخراً.
وتتفق تركيا وسورية حول مبادئ أساسية بشأن العراق تركز على وحدة التراب العراقي في وجه أي شكل من أشكال التقسيم وخاصة إذا كان قائماً على أساس إثني أو طائفي, إضافة إلى ضرورة الإسراع في وضع جدول زمني لانسحاب القوات الأجنبية وتمكين أهل العراق من تحديد مستقبلهم وبناء وطنهم دون تدخلات خارجية.
والواقع أنه ليس بين سورية وتركيا إلا كل ما يجمع ويوحد, فسورية هي بوابة تركيا الطبيعية إلى المنطقة العربية مثلما هي تركيا بوابة سورية إلى أوروبا وآسيا الوسطى, ومنذ زيارة الرئيس بشار الأسد الأولى لتركيا عام ,2004 عمل الجانبان على تطوير العلاقات الثنائية بينهما ليس في المجال الأمني فحسب, بل كذلك في المجالين الاقتصادي والسياسي وتبادلا الزيارات التي أثمرت عن التوقيع على مجموعة كبيرة من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية والمالية أدت إلى ارتفاع حجم التبادل بينهما من 600 مليون دولار عام 2000 إلى أكثر من مليار دولار عام 2003 وسط توقعات بضرورة رفعها إلى مليار ونصف مليار دولار.
ولا تزال الفرصة قائمة لتحقيق مزيد من التقدم في الشأن الاقتصادي لمجاراة مستوى العلاقات المتنامي للعلاقات السياسية التي تشكل بالفعل نموذجاً يحتذى للعلاقات بين الدول وخاصة الدول المتجاورة.