وأداة التطهير العرقي الأبدية هي الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية مع توسيع المستوطنات وهناك شواهد كثيرة في الضفة الغربية على عمليات الضم, وحتى الآن تم نقل تسعة بالمئة من أراضي الضفة الغربية إلى السيطرة المباشرة للمستوطنات.
وقد أشار بحث حديث قامت به حركة السلام الآن إلى أن اثني عشر بالمئة فقط يستخدم من هذه الأرض.
فالدولة قد خصصت أراضي كبيرة للمستوطنات لمنع الفلسطينيين من البناء في تلك المناطق وعندما تغدو المنطقة محظورة على الفلسطينيين يشرع المستوطنون بوضع أيديهم على أرض فلسطينية متاخمة , غالباً ذات ملكية خاصة.
ووفق ماذكرت إحدى منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية فإنه وفي عام 2002 خصص 41.9 بالمئة من الضفة الغربية للمجالس المحلية الاسرائيلية, وعلى امتداد سنوات كانت المنطقة الريفية بمجملها تحت السيطرة الإدارية لما يسمى الإدارة المدنية التي تتعاون بشكل وثيق مع فروع أخرى للجيش الاسرائيلي والمستوطنين لجعل حياة السكان الفلسطينيين تعيسة قدر المستطاع وهو السبب الواضح لجعلهم يغادرون, وفيما تبقى من الضفة الغربية أضحى الفلسطينيون سجناء في مدنهم وقراهم, وكل جانب من الحياة الفلسطينية الطبيعية كالاقتصاد والصحة والتعليم يسحق بآلية بيروقراطية عسكرية متعمدة ومنظمة ومتنكرة باسم نظام أمني, وبين الحين والآخر يضيق الخناق على الوجود الفلسطيني, والتطهير العرقي عن طريق تدمير المنازل والحقول يتبع أيضاً من قبل دولة اسرائيل تجاه مواطنيها البدو في صحراء النقب.
وكل ماذكر أعلاه نادراً مايسجل في أذهان المواطنين ولاعجب في ذلك, فهي مغطاة بخدعة ( المفاوضات مع أبو مازن ), والجهود الدبلوماسية والوعود بالتصرفات ذات النيات الحسنة تجاه الفلسطينيين.
والإسرائيلي واليهودي العادي لايعلم ( أو لا يريد أن يعلم ) حول برنامج التطهير العرقي الذي تنفذه حكومته فهو يفضل اعتبار ذلك حرباً ضد الإرهاب .
المواطنون الإسرائيليون اليهود يعيشون في حقيقة مفترضة زودهم بها قادتهم ووسائل الإعلام ونظام التعليم, وفي هذه الحقيقة يبدو الاسرائيليون كأشخاص طيبين يحاربون لأجل وجودهم لا كمستعمرين ومحتلين.
في هذا العالم الافتراضي, يعتقد بأن حكومتنا عملت بجد لتحقيق معاهدة سلام مع الفلسطينيين, وإن كان هذا الهدف لم يتحقق فذلك بسبب التعنت الفلسطيني.
ويتم الاعتراف بإعاقة المفاوضات من قبل المستوطنين, ولكن ينظر للمستوطنين على أنهم متطرفون متعبون لا على أنهم فرع من سياسة ضم متعمدة ومستمرة من قبل الحكومة الاسرائيلية.
ولكن السياسيين الاسرائيليين الأساسيين يعلمون بأن مشروع التطهير العرقي لايمكن أن يتقدم بطريقة أخرى, وأتساءل فيما إذا كان كل وزير جديد في الحكومة الاسرائيلية يحصل على كتيب يتحدث عن حقائق الحياة, كتب في الماضي من قبل شخص مثل غولدا مائير أو آرييل شارون, وإلا فكيف يمكنك تفسير الاستمرار الواضح للسياسات الاسرائيلية في الأراضي المحتلة خلال السنوات الطويلة للاحتلال? كيف حدث أن تطابق الخرائط الحالية للمستوطنات اليهودية والأراضي الفلسطينية مع مخططات دروبليس وشارون لاستعمار الضفة الغربية والتي وضعت قبل عقود مضت? ولكنني أفضل التفكير بأنه لايوجد كتيب كهذا وأنه يتوقع من كل وزير إدراكه بنفسه أو بنفسها. اسحاق رابين دفع حياته ثمناً لما ظهر بعد ذلك بأنه جهود مخلصة لإيقاف برنامج التطهير العرقي, رغم أن رابين لم يحاول أبداً نقل المستوطنات وكانت فكرته هي تلك المتعلقة بالطرق الجانبية للمستوطنين. وفي النهاية, ظهر بأن سنوات أوسلو كانت فرصة ذهبية لتوسيع المستوطنات تحت غطاء ( عملية السلام ) الزائفة.
يبدو أن باراك, الداعم لمشاريع استعمارية ذات مستوى مرتفع في الضفة الغربية, قد قام بمحاولته الفاشلة الأخيرة لوضع شكل من العيش المشترك مع الفلسطينيين. ولكن لابد وأنه قد قرر أخيراً بأنه (إن لم يكن بإمكانك محاربته, انضم إليه), كما يبدو من نشاطاته الحالية كوزير جديد للدفاع.
وإليكم مثال حديث يمكن العثور عليه في مقالة بعنوان: ( حماس كتحد ) بقلم (شلومو غازيت) إذ يقول: (بنفس الوقت, ومع سيطرتها الكاملة على قطاع غزة, تطبق حماس وقف إطلاق نار أحادي الجانب مع اسرائيل. وعلى امتداد أسبوع كامل لم يطلق صاروخ قسام واحد. ولكن بعد يوم واحد لعمله كوزير دفاع, قام الوزير الجديد ( ايهود باراك ) بالسماح بعملية جديدة تبحث عن أشخاص في قائمة المطلوبين في منطقة خان يونس. وقتل خمسة فلسطينيين وجرح آخرون. وكنوع من السحر بدأ إطلاق صواريخ قسام في اليوم التالي).
ويبدو أن الاحتفاظ بعنف على درجة متحفظة أمر ضروري لاستمرار السياسات الاسرائيلية القائمة على تقديم الفلسطينيين كإرهابيين وتقديم مشاريع الاستعمار الاسرائيلية والعمليات العسكرية لسحق الفلسطينيين كحرب ضد الإرهاب.
ويمكن تلخيص السياسة الاسرائيلية تجاه الفلسطينيين بعبارة: ( ألحق كل الأذى الممكن ). ولكن كيف يتخيل القادة الاسرائيليون نهاية هذه اللعبة? البعض يقولونها عالياً ( النقل ) أي ترحيل الفلسطينيين.
ولكن ماذا يعتقد قادة التيار الأساسي? العملية منظمة جداً حيث لايمكن لأحد أن يعتقد بأن نهاية اللعبة غير مدروسة.
أنا أعتقد أن الهدف النهائي لقادتنا هو وضع المنصة لنكبة ثانية . وإلا فما الهدف من الدفع اللامنتهي للفلسطينيين إلى العنف? وأي شخص يحمل أدنى حد من التفكير سيدرك بأن السياسات الاسرائيلية في الأراضي المحتلة ستقود إلى نوبة من العنف, لاتقل لي إن قادتنا لم يفكروا بذلك, وبالتأكيد يوجد بينهم انتهازيون لايهمهم شيء باستثناء البقاء في السلطة. ولكن هناك من يدفع بالتطهير العرقي للأمام. وشارون كان الأول بينهم, ومساعدوه لايزالون يعملون. وهؤلاء الناس يتطلعون تجاه العنف. إنها نوبة من العنف قد تمكن دولة اسرائيل من ضم الضفة الغربية, كل الضفة الغربية مع التخلص من معظم السكان الفلسطينيين تماماً كما حدث عام 1948 وهذه هي من وجهة نظري, النهاية المتصورة للعبة.
وإلى أين يريدون ترحيل الفلسطينيين? الأردن? قطاع غزة? سورية? لا أدري.
هل سينجح التطهير العرقي? واضعو تلك السياسات يقولون بلا شك على ذلك. البداية هناك, مع دعم الحكومة الأميركية الحالية لاسرائيل مهما فعلت, وعدم قدرة أو رغبة الاتحاد الأوروبي والدول العربية بمواجهة الولايات المتحدة, وعلى الأرجح أن الانفجار القادم للعنف سيستهل من قبل الفلسطينيين اليائسين والمعدمين وبعدد ذلك ستكون آلتنا الإعلامية قادرة على تقديمنا للعالم كضحايا والفلسطينيين كقتلة, وسيقدم الرد الاسرائيلي كعمل دفاعي شرعي, وفيما بعد, قد يحكم التاريخ بشكل مختلف ولكن في الوقت الحالي من يكترث بالفلسطينيين ولكن على المدى الطويل تلوح الكارثة لاسرائيل. وهذا لأننا أمة صغيرة والفلسطينيون أمة بحجم مشابه ولكنها إضافة لذلك جزء من عالم إسلامي واسع.
إن تجربة جنوب افريقيا تفترض أن النظام من نوع الأبارتيد المطبق على الفلسطينيين ليس قابلاً للحياة على المدى الطويل حتى وإن بدا لايقهر في البداية. كما تجسد ذلك في اعتداء السنة الماضية على لبنان إذ كان أداء الجيش الاسرائيلي تالفاً وقد أفسدته سنوات العمل كميليشيات استعمارية.
وبنفس الوقت أضحى الجنرالات وبشكل متزايد جامحين ومتهورين. ويعتمد الاقتصاد الاسرائيلي على دعم منشأة أميركية سياسية متهورة أيضاً.
ولكن لايبدو أن هذا الدعم الباهظ سيستمر إلى الأبد, وقدرة الولايات المتحدة على قيادة العالم تتضاءل أيضاً مع صعود الصين وروسيا. وأيضاً ومن أهم الأمور أن » قبة الصخرة) ثالث أكثر الأماكن قدسية في الإسلام في خطر, من وجهة نظري, بلدي اسرائيل تباشر سياسات انتحارية, إنه شيء شبيه بما حدث في التاريخ اليهودي قبل 1940 سنة, وتماماً كما تلك الأيام معظم الشعب الاسرائيلي لايدرك أنهم يسحبون إلى كارثة من قبل قادتهم.
< الكاتبة أكاديمية اسرائيلية وناشطة ضد الاحتلال.