إنها حروب ثقافية وبريئة من دنس الاقتصاد وإنها صدام حضارات لا صراع طبقات. ولبرهة من الوقت تبدو أوهام هذه الايديولوجيا على قدر كبير من الواقعية,إذ بفضل القدرة الهائلة التي تتمتع بها هذه الطبقة في سيطرتها الاعلامية,تجعل الجميع يرون بعيونهم على شاشات التلفزة شاحنات المساعدات الانسانية التي أرسلتها الشركات المتعددة الجنسيات الى منكوبي الضربة العسكرية التي نفذتها أصلاً طائرات من صنع تلك الشركات وبأمر منها.....
أما هؤلاء المنكوبون فيجري تصويرهم على أنهم ضحايا القتال من أجل الديمقراطية وحقوق الانسان وليسوا أبداً ضحايا الاطماع الاقتصادية وعمليات السوق,وخصوصاً السوق النفطية يجري تصويرهم على أنهم قدموا ضحايا على محراب التناحر الحضاري وليس الطبقي هذا التناحر المكوف الذي تقوده طبقة المتعولمين المتعددي الجنسيات.
في مواجهة طبقة رأسمالية المتعولمة,والتي تتركز في يدها سلطة المال والاعلام,تنشأ طبقة عالمية أىضاً,ولكن هذه المرة لن تعبر هذه الطبقة عن تشكيلة اجتماعية واقتصادية متجانسة.فالى هذه الطبقة سينتمي المشردون والعاطلون عن العمل ومدمنو المخدرات وكل الذين طحنهم الفقر والبؤس في كل مكان مر فيه قطار العولمة وخلفهم على الأقمة والأرصفة,والى هذه الطبقة أيضاً ستنتمي دول بالكامل بمؤسساتها وشعوبها ونظمها وستخوض هذه الطبقة بكل فئاتها أفراداً ودولاً صراعها ضد الرأسمالية المعولمة,ولأن هذه الطبقة حتى الآن هي أكثر تشتتاًَ وتمزقاً فإن صراعها سيكون على شاكلتها صراعاً مشتتاً وممزقاً ومفتقداً المنهج الموحد,ولكن يظل صراعها السياسي الذي تخوضه صراعاً طبقياً,فالصراع الطبقي هو صراع سياسي في نهاية المطاف.
ويجب على الدول المنتمية الى هذه الطبقة أن تصارع على أكثر من جبهة,فالدول التي غدت مرهونة بالكامل لمصلحة صندوق النقد الدولي والتي عليها أن تتجرع الدواء الذي وضعه لها ذلك الصندوق,وتلك المهددة بفصل من فصول الأمم المتحدة وتلك المطالبة بتغيير مناهجها وعلومها لتتوافق مع طروحات التنوير والدمقرطة الزائفة.
باختصار كل الدول المنقوصة السيادة وتلك المهددة بالانقضاض على سيادتها طالما ظلت منغلقة أمام مضاربات السوق,ستظل هدفاً لهجمات المضاربين العالميين وتسقط الفرص لتحويلها الى دول مشردة بالكامل تسودها الفوضى والعوز والأمراض والتناحرات الطائفية والمذهبية وبهذا الشكل يتم ارهاق هذه الدول خارجياً بعد أن تكون قد صنفت باعتبارها دول الشر والإرهاب.
أما داخلياً فإن معول الهدم الذي ستسخدمه طبقة الرأسماليين المعولمين,في هدم وتدمير تلك الدول من الداخل,فيتمثل بالمؤسسة التي مابرحت تلك الطبقة باستخدامها في حربها المسعورة, وهذه المؤسسة هي (التطرف المعولم) فبواسطة التطرف ستبدأ الدول المناهضة للعولمة بالمعاناة داخلياً على حين يتم تضييق الخناق عليها خارجياً,الى أن يبدو الأفق أمامها مسدوداً تماماً فإما أن تسلم تلك الدول زمامها الى أصحاب الكازينو العالمي وأن تجلس الى طاولة القمار الدولية وأن تلعب دور الخاسر أو أن تتحول الى دريئة أمام الرصاص الطائش للتطرف المعولم الذي لا يعدو أن يكون سوى نوع من الجريمة وقد تحولت الى نشاط اقتصادي,تطرف مأجور يطلب إليه أن يظهر وكأنه جزء من حرب ثقافية على حين هو فعلاً ليس إلا نوعاً من التمويه على صراع طبقي وسعي محموم للسيطرة على اقتصادات العالم.
كما يطلب الى هؤلاء المتطفلين أن يظهروا وكأنهم يدافعون عن خصوصيات ثقافية ومعتقدات أصبحت في مهب سوق الأوراق المالية المنهار في كل بلد وصلت إليه أىدي بارونات المال وأساطين بهذا الشكل يمكن من خلال التطرف اثبات مزاعم العولمة من أن حروبها إنما هي حروب لنصرة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
وبث روح الاعتدال في معتقدات الشعوب موصوفة بأنها شعوباً همجية وغير متحضرة وأنه عليها لكي تدخل الحضارة المعولمة أن تتحول إلى ثقافة الاستهلاك وقبول نمط العيش والسلوك المعولمين في حين أن حقيقة تلك الحروب تتمثل في الانقضاض على النظام المالي والاقتصادي لتلك الشعوب (الهمجية) ولا يكون التطرف وبالتالي المتطرفين سوى (حجر النرد) في المقامرة الكبرى والأكثر همجية في التاريخ وأنه ما إن تتمكن طبقة الرأسماليين الطفيليين من امتصاص أموال البلدان التي يقاتل فيها هولاء المتطرفون الذين جرى استئجارهم وغسل أدمغتهم, بأن طبقة المتعولمين كانت قد ضللتهم عندما القت بهم في حرب لم تكن حربهم وباعتبارهم أيضاً متطرفين متعددي الجنسيات فقد جعلتهم يموتون تحت سماوات ستظل غريبة عنهم وأنها وحدتهم ثقافياً فيما انقضت عليهم مدفوعة بأطماعها الاقتصادية, ولم يدرك هؤلاء أن الطبقة المعولمة لم تكن معنية ولن تكون إلا بمصالحها الاقتصادية فلها مصادر النفط والطاقة وللمتطرفين الله, للطبقة المعولمة الأسواق المفتوحة للمضاربات فيما المتطرفون موعودون بالجنة, الرأسمال المتضخم لها أما المتطرفون فلهم حرية القتال ضد كل من يقول (لا) للعولمة.
مدرس في جامعة تشرين*