إذاً.. «انتبهوا» وهو عنوان قصيدة أخرى, أرادت منها الشاعرة تذكير بني الغضب والخراب والجنون, بأنهم من ارتضوا الحياة حقداً صنَّعوه على مقاسِ جنائزهم ولعنتهم وظلمهم وظلامهم, وبما اضطرَّها لمخاطبتهم:
يا ويحكم.. موتكم أسود
جنائزكم في النارِ شوك.. يصطلي..
اسحبوا سكينكم واقتلوا أنتم..
اقتلوا أنتم..
إنه الوعيد الذي أطلقته «طهران» بعد أن أرعبها ما حصل في «مدينتي» وبعد أن سألت: «أين بيتي؟!.. من رمى كوخي المعرّش في السماء, من رماهُ بالحجر» ؟!..
تسأل, ولا تجد مجيباً إلا «دمشق» تلك الحبيبة التي ذرفت مفرداتها وجعاً, أبتْ إلا أن تحيله إلى حكايات لأبوابها وبما بدأته:
على أبوابها السبعة.. سبع حكاياتٍ
واحدةٌ لعاشقة, رحلَ عاشقها وترك لها ظله..
وواحدة لطفلٍ كبرَ في غفلةِ الوقت
نادتهُ رياح الحربِ, فارتدى درعاً وغاب
وواحدة.. وواحدة.. وواحدة..
حتى صارت أبوابها السبعة
أرملة يلفّها السواد
بعد «دمشق» تنتقل الشاعرة إلى القصيدة ال «غجرية» لتأخذ بعدها «قيلولة», وبعد أن تهبط عليها الظهيرة بثقلِ «عمر» تبوح له ب «صدق» ما شعرت به فكتبتهُ «صديقان» و «موت»..
كتبت أيضاً «الحظ» و»إبرة» و»احتمال» و»لغة» و»إصبع» و «ولدنة» و»زوجان» و»وسواس» و»شهقة» و»خيانة» والكثير الكثير مما اعتبرته «فواصل».. فواصل شوق لليلٍ ليس لها.. لبحرٍ يحضن غربتها.. لقمرٍ تناجيه.. لحرفٍ لا يخرجها منه بل يُبقيها فيه.
كل هذا بلا جدوى لطالما أسدل «الخوف» قشعريرته على قلبها.. القلب الذي تجمدت دماؤه حدَّ الصقيع ولطالما, في «البيت» خريف» و»شهوة» حاولت التطهر منهما بالكتابة وبعد أن أطفأت «ضوء التخيّل, بأسودٍ عميقٍ.. عميقٍ..
نعم.. هو خيال «رقص» في حضرة الموت..
حيث الآه لها طعمٌ آخر.. لا يشبه الموت
حيث ال «ثرثرة» لذاكرةٍ تشيخ..
على ورق سرّي.. بحبرٍ أبيض..
لقد أمعنتْ في «مرآة» الأمل, تحاول جهدها أن ترمم الجرح لتتحوّل إلى عاشقة. علّها بذلك تمكِّن مرآتها من أن «تصفو من «الغبش» لتبدأ بعدها وبصفوِ الروح, بالمرورِ على سكون الكون, وهكذا حتى «صباح» ارتشافها ل «كأس» يمتصُّ وجع الفراغ وأنين الشبع..
بيدَ أن «طهران» لاتريد أن تتوقف عن رصفِ بيادر حياتها بالفواصل.. تلك التي رصفت بها أيضاً, قصائدها, وضمن «أوراق» أرَّقتها بأحلام لا تنام.. أحلام مدينتها التي:
كانت لا تنام..
تحرسً غفوة أطفالها, فتهدهد الأحلام
تغفو على أوجاعها
وتعوذُ بالصمتِ عن الكلام
هكذا كانت مفردات «طهران» الشعرية.. المفردات الأشبه ب «صمت اللغات» حيث الصامتون, النائمون.. الراحلون بلا أثر, وحيث أتمَّت أوراقها، وب «وجعٍ» نثرته رسائل لا يمكن لمن يقرأها إلا أن يمرَّ مرور العاجز عن استيعاب ما فيها من «صمت الفواصل»..