تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


ثنا المصري في تجاربها المتنوعة... تعبيرية إنسانية واحتمالات تجريدية

ثقافة
الثلاثاء 11-6-2013
أديب مخزوم

اتجهت الفنانة التشكيلية ثنا المصري في لوحاتها التي قدمتها في السنوات الاخيرة، إلى إظهار كثافة الملمحين التعبيري والتجريدي، وهي تعمل في احيان كثيرة على تحويل اللوحة إلى مساحات هندسية،

تظهر من خلالها الأشكال والرموز والدلالات، وتبدو في اتجاهها نحو لغة الاختصار والتبسيط، متجهة في هذه المرحلة، نحو التجريد اللوني المنبثق من عناصر الواقع.‏‏

عناصر إنسانية مختزلة‏‏

هكذا تختصر ثنا المصري العناصر الإنسانية للوصول إلى خلاصاتها، من خلال تفاعلها مع شاعرية اللون وتعبيرية الاشكال، المستمدة من انطباعاتها ورؤيتها وثقافتها الحديثة والمعاصرة.‏‏

كما أن طريقتها في التشكيل والتلوين، تمنح السطح التصويري كثافة لونية ناتجة عن تقنية تركيب الطبقات، ومتوافقة مع المنطلقات الجمالية المتبعة في اكثرية الاتجاهات الفنية المعاصرة، وتذهب في لوحاتها إلى إظهار العناصر الإنسانية،وهي محاطة بمساحات لونية شبه هندسية، تشكل في أحيان كثيرة شكل المقعد أو الطاولة أو الجدار. وقد تضيء الشكل أو الخلفية، لإبراز الكونتراست اللوني، ونستطيع أن نرى بوضوح جرأتها في تحوير الاشكال وتلوينها.‏‏

حتى انها وصلت في بعض لوحاتها، الى حدود الوحشية البارزة في استخدامات لمسات اللون الوحشي(ضربات وحركات لونية صفراء وزرقاء وخضراء وسواها). والأشكال الإنسانية التي تقدمها، تبدو ساكنة وصامتة ويحيط بها الغموض، ومرتبطة ببؤرة الانفعال الرئيسية، وهذه الطريقة تجعل العناصر والإشكال الإنسانية تتجه لإبراز تداعيات المشاعر الداخلية بحالاتها المتبدلة والمتموجة والمتغيرة، تماماً كتموجات المادة اللونية نفسها على سطح اللوحة. كل ذلك يجعل الإشكال الإنسانية المرسومة أقرب إلى الصياغة التعبيرية والوحشية، فالطابع الانفعالي يطغى على ألوانها،وإيقاعات الأشكال الإنسانية والصامتة تبدو متداخلة ومتجاورة وخاضعة لمشاعرها الخاصة، حيت الخط واللون يتشاركان في تجسيد ايقاعات الحركة الموسيقية البصرية.‏‏

تجريد استباقي‏‏

تتراكم اللمسات والايقاعات والسماكات اللونية العفوية وتظهر الاجساد، في اللوحة لتعبر عن عوالم داخلية انفعالية مكثفة، وهذا يساهم في تحويل العمل الفني إلى رموز تشكيلية حديثة، تتبدل فيها الجلسة من لوحة إلى أخرى، في خطوات البحث عن حلول تشكيلية، وطروحات ثقافية معاصرة ومتزايدة الجرأة والعفوية، حتى انها وصلت في لوحاتها الجديدة الى حدود التجريد الإنفعالي الحركي (أي وضعت مساحات اللون العفوي على سطح اللوحة بفرشاة عريضة مشحونة بتلقائية مطلقة) وكان موقفي أن تبقى في إطار بحثها التعبيري المرتبط بالعناصر الانسانية المبسطة، وتقطف ثمار بحوثها التشكيلية السابقة، قبل أن تنتقل وتتدرج في التبسيط على مراحل، وتصل مجدداً الى التجريد الكلي والمطلق.‏‏

فالبحث عن فضاءات تعبيرية إنسانية فتح لوحاتها في مراحل سابقة، ولا سيما في معرضها في المركز الثقافي الروسي خلال عام 2009 على إحتمالات تعبيرية لمظاهر انفعالية، في خطوات تجاوز مشاهد الواقع، وذهبت بها إلى أقصى حالات التبسيط والاختزال، المشغول بإحساس وعاطفة وانفعال وتلقائية مطلقة.‏‏

هكذا استمرت ثنا المصري في مرحلة ما بعد تخرجها من محترفات قسم التصوير الزيتي في كلية الفنون الجميلة عام 2008 بتجسيد أجواء تعبيرية عملت من خلالها على تكثيف الانفعالات في فراغ اللوحة، ضمن هواجس الشغف العفوي باختصار العناصر الإنسانية، الشيء الذي جعل عين المشاهد تقع على بنى تشكيلية، تردد صدى الإيقاعات، التي تولدها ضربات الريشة وخطوطها البعيدة عن المباشرة الخطابية، وعن الأشكال السردية والأساليب الأدبية، ويزداد هذا الشعور كلما تأملنا الأجواء الصارخة في طريقة وضع اللون، على الرغم مما نراه من ايقاعات لونية خافتة ومتقاربة، وهذا يساهم في ابراز العقلنة ضمن الانفعال، والاضاءات القوية في فراغ السطح التصويري.‏‏

تأثيرات الواقع المتفجر‏‏

ومن خلال لوحاتها الجديدة اكدت أن علاقتها بالثقافة البصرية الحديثة، قادرة على دفعها نحو ملامح التجريد اللوني، فالتجريد الذي قدمته، هو إحساس بالقدرة على بناء أجواء اللوحة بضربات وحركات لونية متتابعة ومتجاورة (لمسات لونية عفوية ومتحركة وموضوعة فوق بعضها البعض) ومشحونة بعنف الاحساس الداخلي الانفعالي. ولهذا يمكن القول أنها رسمت دراما احتقاناتها المترسخة في الأحاسيس، والمشبعة بالصدمات والتوتر والاضطراب والاحتقان والتفجير اللوني.‏‏

هكذا تظهر تأثيرات الواقع المتفجر بشكل غير مباشر في نسيج لوحاتها، من خلال اللمسات اللونية المتداخلة مع الإحساس الداخلي، الذي يقطف الإيقاع الخارجي المتغلغل في حركة حياتنا الراهنة المشبعة بالصدمات والتوتر والعنف في أزمة الحروب المتواصلة أو المتعاقبة دون نهاية. فعندما تكون الألوان متوترة في اللوحة، فهذا يعني أن الحياة الداخلية والخارجية التي تعيشها متوترة، إنه اكتشاف جديد للفن الحديث القادر على التفاعل مع الواقع، ومعايشة تساؤلات فصول الحروب ويوميات الرعب، والاستجابة لقدرة اللوحة الفنية الحديثة، على التعبير عن الواقع الإنساني المأساوي الموجود في عالمنا الراهن والمعاصر.‏‏

facebook.com/adib.makhzoum‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية