|
ابن العم الساخر حتى أبعد حدود الجدية.. الثلاثاء 11-6-2013 كنا طلاباً قادمين من كل بقاع سورية،نحمل في حنايا القلوب شوق التعارف،ونشتعل حماسة للعمل في شق وتمهيد طرق بين البلدة المضيفة وبلدات مجاورة لها.. في تلك الأيام كان العمل الفدائي الفلسطيني في ذروة عطائه، يداعب مخيلتنا بصور الأبطال الذين نذروا حياتهم للقضية الأسمى،ويشغل أحاديثنا بحكايات عملياتهم العسكرية ضد العدو الغاصب..ومرة ونحن نتمشى على طرف ساحة المعسكر كان محدثي يسرد علي واحدة من تلك الحكايات إلى أن قال: «وضربه بكلاشنكوف» فإذا بنا نسمع صوتاً قوياً من جانبنا يسأل: «بكلاش مين أخوي؟..»واستدرنا نحو مصدر الصوت لنشاهد شاباً مائلاً إلى السمار، كبير الجسم، يجلس بتراخٍ على الأرض شابكاً ساقيه ببعضهما، ومعتمراً (بيريه) سوداء كتلك التي شاعت في صور جيفارا المنتشرة كثيراً حينذاك.أما تعبير وجهه فقد بقي محفوظاً في ذاكرتي منذ تلك اللحظة حتى اليوم، يشع ذكاء وطيبة ومرحاً..ولأننا كنا في الأيام الأولى من المعسكر حيث المحبة تغمر المتعرفين الجدد فقد بادرنا للتعريف بنفسينا وسؤاله عن اسمه، وكانت المرة الأولى التي عرفت بها مازن صباغ..ومثل كثيرين صرت أحرص على حضور (حلقته) الخاصة على أطراف ساحة المعسكر في أوقات الاستراحة، فقد كان يدهشنا في ذلك الوقت المبكر من عمره بسعة معلوماته،ومعارفه، وبروح السخرية العميقة الذكية التي يروي بها أكثر الحكايات جدية.. كان لقاؤنا الثاني بعد عشرين سنة بالتمام والكمال، كنت يومها محرراً مناوباً في صحيفة «الثورة» حين التقيت به ساهراً مع بعض كتّاب الصحيفة في مكتب رئيس التحرير يومذاك الأستاذ عميد خولي.كان كعهده قبل عقدين، محور الجلسة ، ولو كان أقل أفرادها تحدثاً، لكن تعليقاته المقتضبة المفاجئة كانت تدهش الجميع بقدرتها المذهلة على التقاط المفارقة الذكية، وقول الكثير بكلمات قليلة، وكانت مراراً رداً حاسماً على بعض المتنطعين والمدعين.. تذكرنا أيام المعسكر، وتبادلنا ذكريات عائلية عرفنا بها ولم نحضرها، ومنذ ذلك الوقت أسبغ علي لقب (ابن العم) اللقب الذي ينادي به تحبباً الكثير من معارفه، وخاصة أولئك الذين يرتبطون مع أسرته بصداقة ما، كانت بالنسبة له مكافئة لقرابة الدم..ومنذ ذلك الوقت أيضاً استعدت حرصي القديم أيام المعسكر على حضور سهرات الصحيفة التي يكون حاضراً فيها.. عَملنا سوية في مجال الإعلام أتاح لنا الالتقاء كثيراً منذ نهاية التسعينات، ولم يتخل في أكثر الاجتماعات جدية عن روحه الساخرة التي تصيب قلب الحقيقة دون أن تسيء إلى مشاعر الناس، ومرة كان اجتماع وزاري يناقش موضوع تعديل الخطاب الإعلامي في مسألة وطنية، فاندفع بعض الحضور بحماسة مع طرح الوزير، متخلين بسرعة مرعبة عن آراء حكوا بها لسنوات طويلة، فلاقاهم بتعليق لاذع ردهم سريعاً إلى جادة التوازن.. كان واحداً من تعليقاته التي تجنح حتى أقصى درجات التطرف، لتكشف للآخرين تطرفهم.. وربما كان أسلوبه الذي اختاره عن وعي كامل.. فالمدهش أن أحداً ممن قصدهم بتعليقاته لم يظهر استياءه، إما تجنباً لتعليقات أكثر قسوة.. والأرجح بسبب روح المحبة التي تغلف أشد تعليقاته ملامسة للجرح.. وما كان يحصل بحضوره في سورية، كان يحصل في مشاركته باللقاءات الإعلامية العربية، فهناك أيضاً كان محور الجمع، وكانت تعليقاته المتهكمة تخرج أكثر الغلاة من أثوابهم التنكرية..وتدخلهم راضين في جو الصدق المرح والمدهش والممتع.. وهو ما كنت شاهداً عليه في لقاء الهيئات الفضائية العربية في الأردن عام 2004 ، وما حدثني بما يشبهه الصديق أنس أزرق الذي رافقه في مناسبة مماثلة إلى موريتانيا، حيث قال إنه لولا وفرة معارف الأستاذ مازن في نواكشوط لأنهكني الملل.. وفرة الأصدقاء والمعارف من أقصى المشرق العربي إلى أقصى مغربه،هي بعض نتاج شخصية مازن صباغ الفريدة حيث تتحد الصراحة الصادمة بالمحبة الغامرة،فيقول بسخرية جادة ما يدور في خواطر كثيرين .. لكنهم يجهلون الدرب إلى قوله..+ www.facebook.com/saad.alkassem
|