لِلْمَوْتِ بَيَادِقُهُ
سأبَعْثِرُها فَوْقَ الرُّقْعَةِ
أمَّا جَنَرالاتُكَ يا مَوْتُ
فَلْتُبْعِدْها عَنْ رأسِيَ
عَنْ عِشِّ حَياةٍ أجْمَلَ
لَمْ يَفْقس بَيْضُ حَمَائمِها بَعْدُ
دَعْني أُنْبِتُ أعْشابَ الرَّحْمَةِ
أرْوِيها بِدُمُوعِ الرُّوحِ
في كُلِّ فُؤادٍ حَجَّرَهُ كَهَنُوتُ الصَّحْراءِ
أبْعِدْ جَنَرالَكَ ذي الّلحْيةِ عَنْ بابِ الشقَّةِ
دَعْهُ يَفحّ بَعيداً
فأنا وَحْدِيَ
وَحْدِيَ
وَحْدِي
إنّي في تُونُسَ يا مَوْتُ
تُونُسُ مُوحِشَةٌ
وأنا وَحْدِي
.....
خُذْ جَيْشَكَ عَنّي
حتّى زَوْجكَ مَنْ أفْرَدْتُ سرائرَها بنوافِذِ حِبْرِيَ
كَي لا تَذْبل يائسةً بَيْنَ ذراعَيْكَ
لَم تشْفَعْ لي؟
وَاعَدْتُكَ في بيروتَ ولَمْ تَفْعَلْ
وَتَذَكَّرْ أنّي ناشَدْتُكَ في بغْدادَ بأنْ أفْدي باقَةً أطْفالٍ
لكنَّكَ قَهْقَهْتَ بِسُخْرِيَةٍ
وَزَعَمْتَ بأنَّ اسْمِيَ لَيْسَ على ذاكَ المِنْجَلْ
باللهِ عَلَيْكَ
أغِثْنِي مِنْكَ
وَوَفِّرْ أسبابَ رَحِيلِيَ عَنْ هذا المَقْتَلْ
لا أرْغَبُ في دُنيا أنكَرَني فيها مَنْ أحْبَبْتُ
وأنْتَ الأَعْلَمُ أنِّيَ يَوْماً لَم أجْفلْ
لكنَّكَ تَقْسُو بَلْ تُجْحِفُ
إنْ تأخُذني مُمْتَلئاً بغيومِ الحِبْرِ
أن تَحْرِقَ حَقْلاً بسنابِلِهِ المائلةِ حنانا
في سَنَواتِ الجّوعِ
لا تَقْبضْنِي في تُونسَ
زَوْجُكَ تَعْرفُ وحْدَتِيَ عَلى هذي الأرْضِ
بِكامِلِ وَهْجِيَ،
كيفَ أموتُ وَحيدا؟
.....
هَلْ تَتْركُ مَنْ زَعَمُوا أنَّهُمُ وُكَلاؤكَ
يَلِغونَ دِماءَ السّوريّينَ
يَلوكُونَ القَلْبَ وَيَشْوونَ الرأسَ
وَألْواحُكَ بينَ مَخالِبِهِم
أحْقادٌ تَغْلِي
في مِرْجَلْ
كي تَعْبَثَ بي في غُرْبَتِيَ الكُبْرى
إنَّكَ تَرْتَكِبُ جَريمَةَ قَتْلٍ أخْرى
-هَل تَذْكُر كَيفَ دَفَعْتَ شَقيقِيَ في الشِّعْرِ
وفي عشْقِ فِلِسطينَ إلى أمْريكا
كي تثأرَ مِن صَرْخَتِهِ
فَوْقَ دِماءِ مُنَظَّمَةِ التّحريرِ تُضَرِّجُ بَيْروتَ:
«وَنَشّز مَزّيكا
على تمثالِ أمريكا»
-لم يَشْفَعْ للشاعِرِ أنَّ النَّاشِرَ في «دارِ العَودَةِ» مَثَلاً،
حَذَفَ الصَّرْخَةَ -
وكأنّكَ جاسوسٌ أدْمَنَ شرْبَ دِماءِ الشُّعَراءِ
لِيَثْمَلْ
.....
لا أطلبُ أن أُعْفى مِن كأسِكَ
لكنْ في تُونُسَ: كلاّ
لا «سَمْعَانُ» هُنا كَيْ يَحْملَ خَشَبَ صَلِيبِيَ عَنْ كَتِفٍ تَبْلى
وَطَريقُ ابنِ الشَّامِ إلى الجلجلةِ
ما أطْوَلها في تُونُسَ يا مَوت
فَقَصْرُ الحاكِمِ في قرطاجَ فريسيٌّ يَسْكَرُ فيهِ
وفي مَجلِسِها شَبَحُ الصهيونيِّ تَرَبّعَ:
ألغى ما شاءَ وأمْلى.
أمّا «عُقْبَةُ»، مَنْ أرْسَلْناهُ إلى أفريقيَّةَ يَفْتَحُها
فَكَتائبُهُ الآنَ غَزَتْنا وأرادَتْنا قَتْلى
فأغِثْني ياموتُ
وَعُدْ بي
كَي أسْلِمَ رُوحيَ في الشّامِ
سئمْتُ الغُرْبَةَ حيّاً
فَعَسانيَ تَحْتَ تُراب «كَفَرْيَةَ»
ألْتَمِسُ الدّفْءَ وألْمَسُهُ
دفئاً وَطَنِيّا
خُذْنِي وادْفَعْنِي بِيَدَيكَ
أوْ فَلْتَرْكُلْنِي قدَمَاكَ
ما هَمَّ، فإنّ مُنايَ السّاعَةَ أنْ أنْضَمّ
إلى الجيشِ العَرَبيِّ السُّوريِّ
وَخُذْني إنْ شِئتَ هُناكَ
خُذْني وأنا في البَحْر أُصارِعُ حيتاناً في أمْواجِهْ
خُذْني في البَرِّ أذودُ عَنِ التّاجِ السوريّ
أسوطُ الظُّلْمَ السَّلجُوقِيَّ بِكُرْباجِهْ
خُذْني في الجَوِّ وبَينَ جَناحَيّ الإيمانُ بأنَّ القُدْسَ
تَطَهَّرَ مِن رجْسِ الأعداءِ بأقصاهُ وبِمِعْراجِهْ
كَمْ كُنْتُ سأهْفو كالأطفالِ إليكَ
أوَلَيْسَتْ أمّي بينَ يديكَ؟
ستكونُ ردىً كَنَدى
يَتلألأُ فَوقَ شِفاهِ الشّامِ يُرَطِّبُها بَرَدى
وأنا مِن جرْحِ بِلادِيَ أطلعُ كالوَردَةِ
لِلجُّرْحِ صَدى
فاقْطِفْني بأناقةِ مَوْتٍ يَحْتَرِمُ الشُّهَدا
واشكلْني حينئذٍ يا مَوْتُ
في ياقَةِ سوريّا.
•تونس - فَجْر 17/5/2013