وبدأوا بالتساؤل لماذا هم اتخذوا هذا الشكل من المؤسسات، وهل هو يستجيب لرغباتهم. ما هي الأشياء التي يجب السماح بها قانوناً وما هي الأشياء الممنوعة؟ منْ يجب أن يحكم، والى أي مدى يجب على الرعية قبول الالتزامات بالطاعة؟ ما هي العدالة سواء على صعيد الفرد أو على صعيد المجتمع؟ هذه الأسئلة وغيرها برزت حين بدأ الناس التفكير النقدي في ممارساتهم ومؤسساتهم، والنظرية السياسية تحاول الإجابة عليها بطريقة منهجية.
اشتُقت طرق النظرية السياسية في مختلف الأزمنة من مختلف الحقول كالفلسفة والثيولوجي والقانون والتاريخ وأخيراً من العلوم الاجتماعية. لذا فإن النظريات السياسية اختلفت ليس فقط في موقفها التطبيقي – متراوحة بين الدفاع الكلي عن النظام السياسي والاجتماعي القائم إلى الموقف المضاد، المتمثل بمحاولات التغيير الثوري- وإنما هي اعتمدت أيضاً على مختلف العقائد حول كيفية الإجابة على الأسئلة المذكورة أعلاه.
بعض النظريات بدأت من تصور الطبيعة الإنسانية وسألت عن نوع الترتيبات الاجتماعية التي تستجيب وعلى أفضل وجه لحاجات ومتطلبات الكائن البشري. قسم آخر من النظريات فسّرت المؤسسات القائمة كجزء من نموذج كلي للتطور التاريخي- إما باعتبارها كذروة لذلك النموذج أو كمرحلة مؤقتة أريد بها أن تُستبدل بشيء أرقى. وهناك قسم آخر بدأ مرة أخرى بالتساؤل أي نوع من المعرفة ممكنة في القضايا السياسية، واستمر بالدفاع عن الترتيبات الاجتماعية التي تمنح السلطة للناس بما يتناسب وقدراتهم في استعمالها لصالح المجتمع ككل.
وفي القرن العشرين قفزت هذه القضايا المنهجية إلى الصدارة متحفزة خصيصاً بتأثير الفلسفة الوضعية. النظريات السياسية القديمة بدءاً من أفلاطون وأرسطو ونزولاً إلى ماركس ومل، سعت إلى دمج طريقتها في فهم العالم السياسي والاجتماعي القائم مع مقترحات محددة للمحافظة عليه أو تغييره. ما هو أساسي في الوضعية كان الادعاء بعدم وجود ارتباط بين الافتراضات التجريبية التي تصف العالم كما هو والافتراضات المعيارية التي تقول لنا ما ينبغي أن يكون. قبول هذا الادّعاء يعني أن النظرية السياسية كما فُهمت تقليدياً كانت تقوم على الخطأ. الخطأ كان في طرح تفسيرات للعلاقات السياسية والاجتماعية مرفقة بتوصيات حول الكيفية التي يجب أن تكون عليه تلك العلاقات في المستقبل.
لم تعد الوضعية القوة المهيمنة التي كانت في يوم ما في الفلسفة والعلوم الاجتماعية، بل إن مصطلح «النظرية السياسية» يطبق الآن على ثلاثة أشكال من التنظير مختلف الأهداف – وهي تنظير تجريبي وتنظير شكلي وآخر معياري.
أولاً: النظرية السياسية التجريبية empirical political theory وهي مصطلح استُخدم بشكل عام ليشير إلى الأجزاء النظرية من العلم السياسي. العلماء السياسيون مهتمون في وصف وتوضيح أحداث سياسية محددة ولكنهم أيضاً منشغلون في تطوير نظريات تفسيرية واسعة تتناول ظواهر واسعة النطاق تنضوي تحت مظلة واحدة. هم حاولوا، على سبيل المثال، توضيح بعبارات عامة أسباب حدوث الثورات وما هي الشروط المطلوبة لإيجاد حكومات ديمقراطية مستقرة. القضايا التي تُدرس عادة هي مشابهة لتلك القضايا التي عولجت في الشكل الأقدم للنظرية السياسية، ولكن جرى استخدام مكثف للدليل الكمي لاختبار الادعاءات النظرية.
وهكذا فإن المرء الذي يسعى لإبراز نظرية عن أسباب الثورة سوف يبدأ أساساً بالبحث عما إذا كان هناك أي ارتباط بين اندلاع الثورات والظواهر الأخرى مثل حجم التفاوت الاقتصادي في المجتمع قيد الدراسة. إن النظرية التجريبية تتعامل مع أسئلة تتعلق بما هو كائن وليس ما يجب أن يكون. هذا النوع من النظرية استعمله علماء السياسة السلوكيون. المنظرون التجريبيون يضعون فرضيات قابلة للاختبار عبر تطبيق الطريقة العلمية. ميكافيلي هو أهم مثال على علماء السياسة التجريبيين. غير أن هناك عدة صعوبات تبرز عند تطبيق المنهجية العلمية في مجالات السياسة، وذلك بسبب صعوبة السيطرة على كل المتغيرات المؤثرة على الظاهرة السياسية قيد التجربة، وأيضاً مشكلة التداخل بين شخصية السياسي وموضوع الدراسة، نظراً لأن السياسي يتعامل مع موضوعات تؤثر عليه شخصياً، فهو لا يمارس عملاً مجرداً كالفيزيائي الذي يدرس سرعة الصوت أو الضوء. كذلك تبرز أيضاً مسألة القياس في مجال السياسة. العلوم السياسية لا يقتصر اهتمامها على القضايا المادية وإنما تتعدى ذلك إلى الجوانب النفسية والعقلية للإنسان والتي يصعب قياسها بمعايير الوزن أو الكتلة المتبعة في العلوم الطبيعية.
ثانياً: النظرية السياسية الشكلية formal political theory وتتألف النظرية الشكلية من جهود رياضية لنمذجة السلوك السياسي. وهذا يعني تطوير نظام استدلالي من فرضيات مرتكزة على عدد من الافتراضات عن الفعل السياسي. في نظرية المباراة «game theory»، مثلاً، يتم نمذجة الفرد كوكيل رشيد يستعمل الإمكانات والموارد التي بحوزته من أجل “الفوز بالمباراة” معتمداً على الافتراض بأن معارضيه يقومون بنفس العمل. نظرية المباراة هي مجموعة من الفرضيات الرياضية المرتكزة على هذا الأساس، وهي تنطبق على أي موقف تفاعلي، ولذا فهي حجر الأساس في النظرية الشكلية.
والنظرية الشكلية هي حقل مزدهر يتداخل إلى حد بعيد مع نظرية الاختيار الاجتماعية، ونظرية الاختيار العام وغيرهما. إنها تستعير من الاقتصاد فكرة اللاعبين الرشيدين الذين يتابعون أهدافهم في ظل قيود مؤسساتية معينة، ومن ثم تحاول نمذجة النظم السياسية كما لو أنها كانت صُنعت من هؤلاء اللاعبين في مختلف الأدوار- السياسيين، البيروقراط، الناخبين، وغيرهم. ولكن كيف سيتقرر الترتيب النهائي للنظام في ظل وجود هؤلاء اللاعبين الرشيدين وعدد من القواعد الإجرائية؟ هناك تطبيقان رئيسيان كبيران هما إجراءات القرار الجماعي والمنافسة الحزبية في الديمقراطية النيابية. في الحالة الأولى، يفترض المنظّر أن أي من السكان لديه تفضيله الخاص لعدد من السياسات وينظر بكيفية دمج تلك التفضيلات في “خيار جمعي” عبر مختلف قواعد القرارات “مثل تصويت الأغلبية”.
إحدى النتائج الشهيرة لهذه التحقيقات هي نظرية آرو لعام 1963، والتي تقول حينما يمتلك الناخبون ثلاثة أو أكثر من الخيارات فلا يوجد نظام انتخابي ترتيبي يستطيع تحويل أفضليات الأفراد إلى أفضليات للجماعة ويلبّي بنفس الوقت عدداً من الشروط المعقولة ظاهرياً “مثل لو أن كل فرد يبدي بشكل منفصل تفضيله لـ X على Y، فإن الجماعة يجب أن تختار أيضاً X مفضلاً على Y”. أما في الحالة الثانية، المنظّر يفترض مرة أخرى أن السكان لهم سياسة تفضيلية معينة، ثم ينظر في كيفية تصرف الأحزاب في ظل نظام انتخابي ديمقراطي على أساس أن كل حزب يسعى للفوز بالانتخابات وأن كل ناخب يسعى لضمان السياسات التي تتطابق كثيراً مع افضلياته. هذا التطبيق طُور في الأصل من قبل أنتوني دونز عام 1957 ثم جرى بعد ذلك استخدامه على نطاق واسع.
الثالث: النظرية السياسية المعيارية normative political theory وهي الأقرب روحياً إلى المشروع التقليدي، بالقدر الذي ترتبط به مباشرة بتبرير السياسات والمؤسسات السياسية. إنها تهدف إلى وضع مبادئ للسلطة، للحرية، للعدالة ثم تحدد أي نوع من النظام الاجتماعي يستطيع بما يكفي إنجاز هذه المبادئ. مع ذلك هناك اختلاف عميق بين المنظرين المعياريين حول نوع التبرير الممكن هنا.
في أقصى الخط يقف أولئك الذين يتبعون شكلاً من القيمة الذاتية value-subjectivism. المبادئ السياسية الأصلية هي ببساطة تعبر عن وجهة النظر الشخصية لأولئك الذين تبنّوها وهم غير قادرين على طرح تبريرات أخرى. إن مهمة النظرية السياسية حسب هذه الرؤية هي ذات طبيعة ثنائية: إنها تتألف جزئياً من توضيح المبادئ الأساسية ذاتها- مزيلة الغموض المفاهيمي، ومعطية للمبادئ المزيد من الصياغات الشكلية- وجزئياً من تبيان ما تعنيه في التطبيق. وهكذا ربما يعلن بعض الناس بأن حرية الفرد هي القيمة السياسية الجوهرية لهم، ولكن هذا في ذاته لا يحل أو يقرر ما إذا كان هذا الفرد يفضل دولة الحارس الليلي أو دولة الرفاهية.
مهمة المنظر، حسب هذه الرؤية، هي استكشاف ما تعنيه فكرة الحرية، ومن ثم تطبيقها على القضايا التطبيقية مثل ما إذا كانت إعادة توزيع الضرائب تقلل من حرية الأغنياء أو أنها تزيد من حرية الفقراء أو كلاهما. ولكن إذا كان الآخرون يتجنبون النقاش بإعلانهم أن حرية الفرد لا تشكل قيمة بالنسبة لهم في المقام الأول، فإن المنظر السياسي سوف لن يكون لديه شيء آخر للرد.
وعلى الحافة الأخرى من الموضوع يقف أولئك الذين يتبعون شكلا ما من اشكال التأسيسية foundationalism، أو الرؤية بإمكانية العثور على أسس موضوعية لدعم المبادئ السياسية الأساسية. وهنا تبرز مختلف الصيغ للنظرية السياسية التعاقدية. المنظرون التعاقديون يؤكدون أن هناك عدد من مبادئ سياسية أساسية يجب أن يقبل بها كل الناس العقلانيين ضمن ظروف ملائمة «1». المثال الأكثر تأثيراً هو جون رولس 1971 في نظرية العدالة، الذي يفهم العدالة كمبادئ فيها يختار الناس العقلاء أن يُحكموا من خلال “موقف أصلي” original position «2» فيه يجهلون خصائصهم الفردية، ومُثلهم في الحياة الجيدة وموقعهم الاجتماعي. وما هو مشابه لذلك ادّعاء يورغن هابرماس Jurgen Habermas 1984 بأن المعتقدات المشروعة هي تلك التي يُتفق عليها في “موقف كلامي مثالي” تغيب عنه السيطرة والإكراه وفيه يتوجب على المشاركين إقناع آخر بقوة الجدال وحده.
لم يكن التأسيسيون كلهم تعاقديين. الاتجاه الرئيسي الآخر هو الطبيعية naturalism وفيها تلجأ النظرية المعيارية للاحتكام للحاجات الإنسانية وللاهتمامات ذات الطابع العالمي. بعض الطبيعيين المعاصرين مثل ماسترس «Masters» 1989، لجأوا إلى السوسيوبايولوجي ورأوا أن مؤسساتنا الاجتماعية والسياسية يجب أن تكون ملائمة لطبيعتنا الإنسانية المعطاة وراثياً. آخرون مثل ماكنتر «MacIntyre» 1981 هم أرسطيون جدد يرون أن أحسن نظام اجتماعي هو الذي يعزز أكبر مدى للقدرات الإنسانية المميزة مثل قوة المنطق والفضيلة.
الصعوبة الأساسية التي يواجهها التأسيسيون هي في الاستجابة للتنوع الإنساني وهل هو يتجسد في الاختلافات الثقافية بين المجتمعات أم في الانقسامات ضمن المجتمعات ذاتها كاختلاف الطبقة والجنس والعرق وغيرها. إذا كان الناس يختلفون عن بعضهم بطرق جذرية – في العقائد وفي القيم الأساسية والهويات – كيف يمكننا القول في ظل ظروف مناسبة من التجريد إنهم يتفقون كلهم على نفس المبادئ السياسية، أو إنهم يشتركون في الحاجات والمصالح الأساسية التي يمكن استخدامها لتبرير مجموعة ترتيبات سياسية مقررة؟ التأسيسيون اتُهموا من جانب ما بعد الحداثويين وآخرين بتبنّيهم عالميةً يصعب الحفاظ عليها كونها تقلل من أهمية الاختلافات البارزة بين البشر.
هذا الخط من التفكير يعيد النظرية السياسية مرة أخرى إلى ذاتية- القيمة. وهناك إمكانية ثالثة، تسمى الاتجاه التفسيري للنظرية السياسية، تدّعي أن المجتمعات تأسست على تفاهمات مشتركة معينة وأن مهمة النظرية السياسية هي رسم وتحويل تلك التفاهمات إلى مبادئ صريحة. هذه التفاهمات متضمنة في لغة المجتمع وفي أعرافه وممارساته، وهي تختلف من مجتمع إلى آخر ولكنها في أي سياق معين تكون دائمة وثابتة نسبياً. وهكذا فإن الدستور الأمريكي مثلاً يُفسر بمرور الزمن ويوفر مصدراً ثرياً للتفاهمات المشتركة التي يمكن للمنظر السياسي البناء على أساسها، بينما في بريطانيا غياب الدستور المكتوب يعني أن التفاهمات المشتركة تأخذ شكلاً مختلفاً، ويجب العثور عليها في النقاشات البرلمانية، وفي الرأي العام وغيره. ومن بين أهم المنظرين السياسيين المعاصرين الذين يفضلون الاتجاه التفسيري هم تشارليز تايلور «Charles Taylor» 1985 وميشل ولزر «Michael Walzer» 1983.
إن الاتجاه التفسيري في النظرية السياسية يطرح سؤالاً عن كيفية ارتباط النظريات السياسية بالرؤى العالمية للناس العاديين: أي ما نحملهُ من تصور عن العالم الاجتماعي والذي يعطي معنى للأحداث السياسية اليومية. وبالذات كيف أن اختلاف النظرية السياسية عن الأيديولوجية فُهم بدرجة ما كإطار منهجي مرشد للسلوك في فهم العالم الاجتماعي؟ الجواب هو أن النظريات السياسية تمتلك وبثبات محتوىً أيديولوجياً، ولكنها نجحت بدرجة ما في تدقيق وفحص تلك الافتراضات التي اتخذتها الأيديولوجيات كمسلمات. وهكذا فإن الأيديولوجيا الليبرالية ربما تأخذ كمسلمة بأن التفاوت الاجتماعي القائم يعكس الاختلافات في المزايا الفردية، بينما النظرية السياسية للخط الليبرالي ستحتاج أيضاً إلى فحص فكرة الاستحقاق ذاتها- فضيلة وجوب اعتبار شخص ما أكثر استحقاقاً من الآخر؟- وللبحث عن دليل بأن هناك حقاً علاقة بين الاستحقاق الفردي المعرف جيداً وحيازة المزايا الاجتماعية.
ولكي تميز النظرية السياسية ذاتها عن الأيديولوجيا المجردة يجب أن تستفيد من كل من التحليلات الشكلية والدليل التجريبي المُلاحظ من جانب العلماء الاجتماعيين. هذا يشير إلى أن التمييز بين النظرية التجريبية والشكلية والمعيارية التي أشرنا لها سابقاً سوف لن يكون مطلقاً. بدلاً من ذلك، يجب أن نميز بين أشكال النظرية السياسية المندفعة بالرغبة بالتوضيح وتلك المتحفزة بالرغبة بالتبرير. التمييز لا يمكن أن يكون مطلقاً لأنه، من جهة، النظريات المعيارية تضع افتراضات تجريبية حول نوع النظام الاجتماعي الذي سينشأ لو جرى العمل به وفق مبادئ معينة، بينما من جهة أخرى، النظريات التوضيحية دائماً تعتمد على الأحكام حول أي الظواهر هامة بما يكفي لتسمح لمحاولاتنا في توضيحها “نحن نحاول تطوير نظريات في الديمقراطية أو نظريات في الثورة لأننا نعتبر هذه كظاهرة هامة، سواء وافقنا عليها أم لم نوافق”. وهكذا تستمر النظرية السياسية بشغل مساحة مهمة في العلوم الاجتماعية المعاصرة، وإن ما قيل عنها مرة إنها ستختفي تماماً، بدت الآن فكرة سخيفة حسب وصف اسحاق برلين عام 1962 .
طالما يوجد هناك فضول عقلاني - الرغبة بالتبرير والتوضيح وفق الدوافع والأسباب وليس فقط وفق الارتباطات الوظيفية أو الاحتمالات الإحصائية – فسوف لن تختفي النظرية السياسية من الأرض، مع أن العديد من منافسيها مثل علم الاجتماع والتحليلات الفلسفية وعلم النفس الاجتماعي وعلم السياسة والاقتصاد والسيمانتك ادّعوا أنها استنزفت عالمها التصوري.
............
الهوامش
«1» وفق المنظور الفلسفي للنظرية التأسيسية فإن تبرير جميع عقائدنا هو في النهاية مشتق من العقائد الأساسية التي هي بمثابة الأساس لكل ما نعرف. النظرية التأسيسية هي محاولة لقطع سلسلة التبريرات في إحالة الظاهرة إلى ظاهرة أخرى. وفق هذه النظرية لا يمكن تبرير العقائد الأساسية بعقائد أخرى، فهي مبررة بذاتها ولا تحتاج إلى تبرير non-inferentially justified. غير أن هناك عدداً من الانتقادات الموجهة للنظرية التأسيسية منها أن فكرة العقائد الأساسية ليس لها معنى أي أنها لا تساعد في تبنّي عقيدة مفيدة وأيضاً أن اختيار العقيدة الأساسية هو اعتباطي وعشوائي. وفي مجال النظرية السياسية يسعى المنظّرون التأسيسيون إلى تبرير المؤسسات السياسية دون افتراض مسبق لأي اعتبارات سياسية. توماس هوبز وهو برجماتي أساسي foundationalist يؤكد على قبول لترتيبات معينة يمتثل الناس الراشدون لها، وهو بذلك يدعم شكلاً معيناً من النظام السياسي.
«2» الموقف الاصلي هو موقف فكري افتراضي طورهُ الفيلسوف الأمريكي جون رولس كتجربة فكرية لاستبدال التصور الموحش لدولة الطبيعة الذي وضعه توماس هوبز. في الموقف الأصلي تختار الأحزاب مبادئ معينة تقرر الهيكل الأساسي للمجتمع الذي تعيش فيه. هذا الاختيار يتم خلف قناع من الجهل يمنع الحقائق العشوائية الأخرى للمواطنين من التأثير على الاتفاق بين ممثليهم. يرى رولس أن المواطن كونه من عرق معين أو طبقة معينة ليس سبباً للمؤسسات الاجتماعية كي تفضله أو لا تفضله. كل حزب في الموقف الأصلي سيكون محروماً من معرفة عرق المواطن الحقيقي الذي يمثله ذلك الحزب أو جنسه أو طبقته أو منزلته الاجتماعية أو تصورهُ عن الخير. قناع الجهل يحرم الأحزاب من كل الحقائق عن المواطنين التي هي غير ملائمة لاختيار مبادئ العدالة. وهذا سيجبر المشاركين في الأحزاب على اختيار مبادئ نزيهة وعقلانية.
المصادر
Arrow, K.»1963» - 1، الخيار الاجتماعي والقيم الفردية، نيو هافن،CT.
2 - هل النظرية السياسية لا تزال قائمة؟ Berlin,I.»1962» in p. Laslett and W.G Runciman»eds» philosophy, politics and society, vol.2,oxford.
3 - النظرية الاقتصادية للديمقراطية، نيويورك، Downs,A.»1957».
4 - نظرية الفعل الاتصالي، الجزء الأول، Habermas,J.»1984»، بوستن.
5 – ما بعد الأخلاق،MacIntyre,A «1981» ، لندن.
6- طبيعة السياسة،Masters,R.»1989»، نيوهافن.
7 - نظرية العدالة، Rawls, J «1971»، كامبرج، MA.
8 - الفلسفة وعلوم الإنسان: أوراق فلسفية 2، Taylor,G «1985»، كامبريدج، المملكة المتحدة.
9 - مجالات العدالة، Walzer, M. «1983»، أكسفورد.