تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


لغتنا ولغاتهم

ملحق ثقافي
11-6-2013
نذير جعفر

ما أكثر تغنّينا بلغتنا العربية، فهي الوحيدة من بين شقيقاتها في لغات المشرق العربي القديم المستمرة منذ ثلاثة آلاف سنة على الأقل، والوحيدة من

بينها التي حافظت على علامات الإعراب. وهي الأغنى معجماً بين لغات العالم كلّه! لا بل الأغنى تراثاً دينياً وشعرياً ممتداً من العصر الجاهلي حتى اليوم! وهي الأكثر مرونة في الاشتقاق والتوليد والتلاقح والأخذ والعطاء في أطلس لغات العالم!‏

ولكن هل يكفي التغنّي بهذه اللغة والتفاخر بها؟ وهل نقدّم لها بعض ما تستحقّه لتحافظ على مكانتها، وتنافس بقيّة اللغات، وتصمد في وجه غزوها لها؟‏

الصورة الحالية لواقع لغتنا مُحزنة، ليس على مستوى تداولها الفصيح كما يعتقد بعض المنافحين عنها، فهذا المستوى بخير على الرغم من سقطات طلابها ورجال إعلامها وحتى بعض مدرسيها! بخير لأن انتشار التعليم والتواصل المعلوماتي والاجتماعي المعولم قرّب بين اللهجات العربية وهو ينحو تجاه بلورة لغة للتواصل أقرب إلى الفصحى منها إلى العامية. لكنها محزنة على مستوى تخديمها وتمكينها ونشرها وتوسيع دوائر انتشارها ومحبيها والمتكلمين بها.‏

إن مؤسساتنا التعليمية والتربوية تكاد تكتفي بما هو متوارث، وبما هو بين الأيدي، دون إضافة أو تعديل أو تصحيح أو جمع لنوادر تراثها الموزّعة في مكتبات العالم. فحتى الآن تفتقر لغتنا إلى معجم دلالي يدرس تطور المعنى في الألفاظ من جيل إلى جيل، كما تفتقر إلى معجم مقارن بين ألفاظها وألفاظ اللغات الحية ومدى ما فيها من أصيل ودخيل، كما تفتقر إلى برمجتها معلوماتياً وبرمجة تعليمها للأجانب الراغبين بها والباحثين عنها.‏

وحتى لا يبقى الكلام عاماً فمن المفيد أن نذكر أن تخديم اللغة الإنكليزية على شبكة الإنترنت مبرمج بطريقة مذهلة. ويكفي أن تضغط على أي كلمة لترى مصدرها ومشتقاتها «اسم الفاعل، واسم المفعول، واسم المكان والزمان، ومبالغة اسم الفاعل، والصفة المشبّهة باسم الفاعل»، كما ترى دلالاتها المتعدّدة واستخداماتها عبر تراكيب مختلفة. ويتعدى الأمر إلى مقارنة الألفاظ مع العربية وسواها، وبيان الأثيل والدخيل فيها، والقديم والجديد والمُحدَث! وهو ما تفتقر إليه معاجمنا الإلكترونية كلّها!‏

وسترى آلاف المواقع الإلكترونيّة التي تتضمّن معاجمها المتعدّدة، وقواعدها، وعلاقتها باللغات الإنسانيّة، وتطور ألفاظها، وتراكيبها. وهي تُقَدَّم لكل المستويات من الصغار في الروضة إلى التلاميذ، وطلاب الثانويّة، والجامعيين، والأساتذة، والمختصين. هذا إلى جانب البرامج التلفزيونيّة الخاصّة بتعليمها للأجانب، والبرامج الإذاعية، وأشرطة «الكاسيت» و»السيديات»، والكتب والمجلاّت المصوّرة، وسوى ذلك.‏

ولعل أكثر ما لفت انتباهي هو إمكانية تقديم امتحان فردي في كل درس، أو في كل مجموعة دروس تشكل وحدة متكاملة، على شبكة الإنترنت، ويتولى الموقع سحب الإجابة في الوقت المحدد، وتصحيحها مباشرة، كما يقدم بياناً بالأخطاء وتصويبها، ويمنح الدرجة المناسبة! ويمكن لأي إنسان في أي مكان وأي زمان في العالم إجراء هذا الاختبار بنفسه من خلال جهاز حاسوبه!‏

إن تخديم وتمكين اللغة العربية ليس في النهاية عملاً فردياً إنما يحتاج إلى تضافر مؤسسات وطنية تعليمية تربوية تقوم بهذا المشروع وتشرف على تنفيذه وإجراء التعديلات اللازمة عليه بين حين وآخر بحسب ما تستدعيه الحاجة. وبذلك نتوقف قليلاً عن التغني بلغتنا لنتغنى قليلاً بما نقدّمه لها من خدمات تحبب الناس بها عرباً وأجانب، وتوسع فضاء متلقيها ونفوذها.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية