الذي يتربع الآن على كرسي الرئاسة في الكيان الصهيوني، رؤية يترجمها نتنياهو بالقول: إن التغيير الأساسي الذي سيتبناه فيما لو فاز هو بتجاهل وتجاوز المسائل المعقدة مثل اللاجئين والقدس أو على الأقل إزاحتها من بنود التفاوض مع الفلسطينيين واعتماد بند السلام الاقتصادي أساساً للتفاوض المستقبلي.
لو عدنا إلى المذبحة »الصهيونية« الجديدة في قطاع غزة لوجدنا أن أخطر ما فيها هي أنها تتم لأهداف انتخابية لا أمنية ولا عسكرية.
فقد كان واضحاً ومنذ اليوم الأول للهجمات البربرية الوحشية أن قادة الأحزاب الرئيسية الثلاثة التي تتنافس على السلطة داخل الكيان الصهيوني والتي سوف تجري في شباط القادم وهم ليفني، ونتنياهو، وباراك، قرروا تحويل القطاع المحاصر والأفقر عالمياً إلى كيس من الرمل لتدريب الملاكمة أو إلى شاشة عرض تلفزيوني لاستعراض العضلات العسكرية وبالتالي الحصول على أكبر عدد من الأصوات في هذه الانتخابات القادمة.
لقد تعهدت ليفني للناخبين بأنها »ستقضي على حركة حماس عسكرياً واقتصادياً وسياسياً« في مقابل اتهام صريح من قبل زعيم الليكود نتنياهو لحكومة ليفني بالتقصير حيث يقول: »إن حكومة كاديما لا تقوم بما يلزم عسكرياً للدفاع عن سكان جنوب (إسرائيل)« وإنه هو الذي سيجتاح القطاع إذا ما فاز في هذه الانتخابات أما وزير الحرب وزعيم حزب العمل إيهود باراك والذي كثيراً مارشحته استطلاعات الرأي قد يتعرض إلى خسارة فادحة في الانتخابات المقبلة فهو قرر على ما يبدو تقديم أوراق اعتماده بالحديد والنار لتغيير نتائج هذه الاستطلاعات مستغلاً كونه يملك القرار العسكري الأول في الكيان الصهيوني.
سؤال يتبادر إلى الذهن: ماذا تعني هذه المعطيات؟.
لن نخوض كثيراً في الحديث عن موازين القوى القائمة على الأرض بل سوف نتحدث عما هو أعم وأشمل، الانحطاط الأخلاقي الذي يمكن أن ينحدر إليه مجتمع أو شعب أو أمة أو دولة مع بشر آخرين أو شعب آخر، حين يكون منطق القوة والعنجهية هو السائد والغالب على القيم الإنسانية والأيديولوجيات والمثل، وهذا بالتحديد ما فعله هتلر في ثلاثينيات القرن الماضي حين استباحت النازية دماء كل الشعوب الأخرى من أجل تحقيق التفوق العرقي للآريين.
فماذا كان؟ كانت المحارق البشرية والأراضي المحروقة والإبادات الجماعية والمعسكرات النازية اللاإنسانية.
تلك كانت الوسيلة التي اختارها الزعيم النازي للشعب الألماني بأن هدف السيطرة العرقية ممكن في حال توفرت القيادة الفذة والزعامة التاريخية حيث يجب وضع دم الآخرين في خدمة الأيديولوجيا العنصرية.
مقارنة بسيطة نرى أن حكام الكيان الصهيوني يفعلون الآن الأمر نفسه، ولكن بشكل أقل ما يمكن أن نقول عنه إنه أحط بما لا يقاس: وضع دم الآخرين في خدمة السياسة وأي سياسة؟ ليست حتماً السياسة الإستراتيجية بل تلك التكتيكية التي تدوم أسابيع فقط وأي دم؟ ليس أي دم، بل ذلك الدم الذي يعود إلى شعب أعزل مشرد دخل عامه المئة تقريباً وهو يتعرض للقتل والتشريد والاعتقال.
حكماء بني صهيون الآن يستخدمون الصواريخ وأحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا العسكرية الأمريكية وغيرها من طائرات وقنابل وقذائف ضد مناطق مدنية أشد فقراً في العالم وأكثر ادقاعاً وبؤساً وكأنهم ينتقمون من تاريخ عمره خمسة آلاف عام ولا يرون من كل هذا التاريخ سوى ضرورة الانتقام واضطهاد الآخرين وتحويل الضحية إلى جلاد والمقتول إلى قاتل، ولماذا؟ من أجل أهداف انتخابية آنية.
صحيح أن ما يجري الآن وما سيجري أكثر، في غزة من مجازر ومذابح ليس جديداً في تاريخ الكيان الصهيوني منذ دير ياسين إلى صبرا وشاتيلا.
لكن الصحيح أيضاً أن ما يجري هذه المرة سيفوق كل الجرائم الأخرى في التاريخ، بل إن ما يجري يفوق كل تصور عقلي وكل ذلك على مسمع وتحت أنظار المجتمع الدولي الذي يدعي تبنيه لحماية الإنسانية ونشر الديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرها.
إن حكام هذا الكيان العنصري يستخدمون الدم الفلسطيني الآن لتنرييت الماكينات الانتخابية وبتصفيق حاد وحماسي من مجتمع يهود »إسرائيل«.
إنه حقاً الانحطاط الحضاري والخلقي والإنساني النهائي.