كحرب إبادة للشعب الفلسطيني وتصفية قضيته، لصالح معاركهم الانتخابية أو تنافسهم على رئاسة الحكومة الإسرائيلية المقبلة، في الموعد المقرر للانتخابات التشريعية العامة المبكرة في العاشر من شهر شباط القادم وهم في ذلك يتصارعون على الضحية التي هي الدم الفلسطيني بحيث يكون لهذا الدور الثقل النوعي والأكبر من صناديق الاقتراع.
وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أن شهوة القتل لدى هؤلاء الأقطاب في صراع الذئاب الذي تشهده الحياة السياسية الإسرائيلية عادة في الانتخابات العامة، قد فاقت كل تصور وكل توقع وتقدير، وإلا ما معنى كل هذه الوحشية المنفلتة من عقالها، بالقصف و التدمير والاجتياح والتمشيط، والحصار والتجويع لأبناء غزة الصامدين المقاومين دفاعاً عن أرضهم ووجودهم ومصيرهم؟
قبل بدء حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، كانت التقديرات والتوقعات تذهب إلى أن شعبية المعارضة وعلى رأسها الليكود وبنيامين نتنياهو تحظى بالنسبة الأكبر بالمقارنة مع كل من كاديما والعمل في تحالفهما بحكومة، كان يترأسها ايهود أولمرت، إلا أن اتهامات الفساد التي وجهت إليه ولصقت به اضطر تحت ضغط قيادات كاديما إلى الاستقالة من رئاسة الحكومة، ومن رئاسة كاديما، فجاءت ليفني رئيسة لحزب كاديما، ولتكون المرشحة لرئاسة الحكومة في الفترة المتبقية للانتخابات العامة العادية، لكن فشلها الكبير في تشكيل حكومة تحظى بثقة أغلبية أعضاء الكنيست، أدى إلى أن يبقى أولمرت رئيس حكومة تصريف أعمال مع التبكير بإجراء انتخابات تقررت في العاشر من شباط القادم، ويبدو طبيعياً في ظل فساد رأس كاديما، والخلافات التي عصفت بين أقطابه وتردد حزب العمل برئاسة باراك في التعاون مع ليفني أو التحالف السياسي معها في ظل اوضاع سياسية مضطربة في الداخل «الإسرائيلي»، إضافة إلى إخفاقاتها في استمالة احزاب وقوى إلى حكومتها مثل شاس.. ذلك كله خلق أجواء كثيفة من خلافات ومن صراعات بين الأقطاب السياسية، إلا أن الشارع «الإسرائيلي» حمل المتحالفين في الحكومة التي هوت بفساد رئيسها أولمرت مسؤولية اهتزاز الأوضاع الداخلية السياسية في «إسرائيل» وانحاز تلقائياً إلى المعارضة وزعيمها بنيامين نتنياهو إلى حد أن استطلاعات الرأي قبل شهر من الآن كانت تذهب إلى أن الليكود سيحصل على أغلبية في الكنيست وسيتفوق على كل من العمل وكاديما، وسيكون نتنياهو رئيس الوزراء المقبل لإسرائيل، في حين أن كاديما سيتراجع إلى موقع الحزب الثالث، وأن العمل إلى الحزب الرابع أوالخامس، لكن وبعد أن اتخذت الحكومة الإسرائيلية بالترويكا القيادية والأمنية والسياسية فيها «أولمرت وباراك وليفني» قرار خوض حرب إبادة في غزة، ونقلها من الحصار إلى تحت النار بشكل وحشي وفاشي ونازي بالقصف والتدمير والقتل وإحكام الحصار والتجويع على أهلنا في القطاع... في ظل ذلك كان واضحاً أن لا خروج من مأزق اهتزاز حكومة أولمرت بقواها وأحزابها السياسية إلا أن يكون الدم الفلسطيني ورقة الاقتراع الهامة والمؤثرة في رصيد كل من ليفني وباراك مادام أولمرت قد غادر الحياة السياسية بسبب الفساد، وبسبب ما ارتكبه من تقصير وضعف وتردد واهمال في حرب تموز عام 2006 وفق تقرير فينو غراد.
من هنا يحاول كل قطب سياسي «إسرائيلي» أن يتقدم أو يصعد من تهديده ووعيده ومن مواقفه النازية العسكرية وفق ما تفرض عليه معركة التنافس، فكان باراك على سبيل المثال وبوصفه وزير الحرب هو من يستطيع أن يحرك الخيوط كلها لصالحه، أما ليفني وباعتبارها وزيرة الخارجية فكانت تحت الأضواء فيما يتعلق بالشروط الإسرائيلية وبتغيير الوضع في غزة، وبالقضاء على حماس، إلى حد انها أرادت مشاركة بعض الأطراف العربية في تحقيق هذه الأهداف حين أعلنت ومن القاهرة أن حماس هي عدونا وعدوكم!! في إشارة إلى أطراف عربية تريدها شريكة في حرب الإبادة والتدمير التي يشنها الجيش «الإسرائيلي» على غزة! وفي ظل سطوع نجمي باراك وليفني لم يجد نتنياهو بداً من التحرك وعلى عجل من أجل استقطاب بعض الأضواء، فتبنى سياسة تقوم على دفع مسؤولي الخارجية والحرب في حكومة أولمرت إلى مزيد من التورط في غزة، بحيث تنكشف الأخطاء أكثر فأكثر، وترتفع التغطية عنهما، وليكون بالتالي هو صاحب القرار في الأثر والتأثير، من أجل أن يزيد من رصيده على حساب رصيدي كل من ليفني وباراك... وهو ما دفعه في الأيام الأولى للحرب على غزة أن يظهر في أربع مقابلات صحفية وتلفزيونية في يوم واحد، ليطالب بمزيد من الأهداف الإسرائيلية في هذه الحرب.
هو صراع من نوع آخر، أو اتفاق على سفك الدم الفلسطيني لصالح هذا الصراع بين الأقطاب والأحزاب الإسرائيلية، ولأن باراك في الشارع «الإسرائيلي» هو من يقود الحرب، فقد زادت شعبيته بشكل ملحوظ وارتفعت أسهمه، فكشف استطلاع للرأي أن 44 بالمئة باتوا يؤيدونه رئيساً للحكومة في الانتخابات المبكرة القادمة,
فماذا بعد؟