فتابعت الحلقة المعروضة وتوصلت إلى قناعة (فالج لا تعالج) لأنه كثيراً ما نُشِرت موضوعات (حتى في الوقت الذي كانت تزدحم فيه الشاشة بهذه الأعمال) تطالب بالمصداقية وبرصد واقع ومشكلات البدو الحقيقية الأمر الذي ابتعدت عنه أغلب هذه الأعمال ما دفع بها وهي في أوج انتشارها لأن تعيش عزلة فيما بينها وبين المتلقي . فهذه البيئة وما يتبعها من معطيات تلزم القائمين على هذه الأعمال وضع أسس لا يمكن تجاهلها وتؤمن حداً أدنى من تحقيق البدهيات والأساسيات بدءاً من الديكور والإكسسوار وانتهاء باللهجة المحكية والنص بما يحتويه من تفاصيل حياتية وعلاقات إنسانية تعكس القيم والعادات والأعراف السائدة..
ولدى رصد هذه الأعمال نجد أنها تبعدنا شيئاً فشيئاً عن الحياة البدوية الحقيقية فكثيراً ما تناهت إلى مسامعنا قهقهات البدو أنفسهم ساخرين مما يرونه على الشاشة من أعمال من المفترض أنها تعكس حياتهم ومشكلاتهم وتعالجها بصيغة ترقى لتقدم على الشاشة ولكن ضحكتهم هذه تخفي مرارة ما يستشفونه من هذه الأعمال التي لا تكاد ترقى إلى مستوى حياتهم بكل أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية فتكتفي باستعراض سطحي . ولعل ذلك يعود لتهرب منجزي هذه الأعمال من نطاق الانتماء لمكان أو زمان محددين بحجة معللة أو غير معللة ويجدون في هذا الانفلات ساحة حرة تحررهم من قيود ليست بسيطة كما يدعون بل هي جوهرية تحدد هوية العمل وكيانه , إنهم يهربون بعملهم لأعماق المجهول ويكتفون بسجن الممثل داخل الخيمة وحولها لينقلب المسلسل كاملاً إلى حوارات مسرحية تقيّد حرية الحركة وتعطي انطباعاً بالثبات والجمود وتطيح بالصورة المرئية وأبعادها وتنأى عن توظيفها بصرياً .. ألا يحق للبدو بعد كل هذا أن يقهقهوا ?.
إننا حتى الآن لم نقدم الحياة البدوية على حقيقتها إلا فيما ندر , فسكان البادية شخصيات حقيقية لها وجود وهوية , لها هواجسها وهمومها في الحياة فلماذا لا يكون لهم هامشهم الذي يرونه على الشاشة بعيداً عن المضاربات والنكايات في سوق الدراما وبعيداً عن الموضات التي تنتشر في كل موسم درامي .. لماذا الهروب من هذه الأعمال فإما أن تقدم بشكل ساذج أو نتجاهلها ?.. ترى هل سنرى أعمالاً تخوض غمار البيئة البدوية بشكل حقيقي ?!