ويضم الضريح أيضا قبر السيدة حليمة بنت محمد الجواد عمة الحسن العسكري وزوجته السيدة نرجس وهي أم الإمام الثاني عشر محمد المهدي المنتظر ويمتاز الضريح والروضة العسكرية بقبته الذهبية المهيبة التي تعد من أكبر قباب الأئمة في العالم الإسلامي.ويبلغ محيطها 68 متراً تزينها القطع الذهبية البالغة 72 ألف قطعة, ومنارتاتها الذهبيتان اللتان يبلغ ارتفاع كل منهما 36 مترا. شيد القبة ناصر الدولة( ابن عم سيف الدولة الحمداني حلب) سنة 33 ه فوق الضريحين, وسورهما بسور متين. ثم غطى الخليفة العباسي المستنصر بالله صندوق القبر بصندوق من خشب السياج وعمّر الروضة والسياج, ثم أضاف الخلفاء العباسيون من بغداد, بعد ذلك عددا من الملاحق العمرانية والمنابر إلى المقام وتوالت العناية بالروضة في مختلف العصور إلى أن جدد بناؤه في حدود سنة 1200ه وقد انتهى العمل في قبة المزار عام 1905 زمن السلطان عبد الحميد العثماني.
ومدينة سامراء التي تحتضن اليوم الروضة العسكرية تقع في محافظة صلاح الدين وتبعد 24كم شمال بغداد, وهي مدينة مشيدة على أطلال مدينة ( سر من رأى) القديمة التي أسسها الخليفة العباسي المعتصم بالله محمد بن هارون الرشيد سنة 221ه لما ولي المعتصم الخلافة كان يقيم في الثغور, على حدود الدولة البيزنطية وكان مولعاً بالجهاد وعرف بأنه فاتح عمورية. وهو من أعاظم الخلفاء العباسيين. وقد وجد هذا الخليفة بعد سبعين سنة من بناء بغداد على يد أبي جعفر المنصور, أنها توسعت وازداد سكانها وضاقت عن كثرة الجيوش, فأنشأ العاصمة الحربية (سر من رأى) وسكن فيها مع قواده وعسكره وسميت أحيانا باسم العسكر وإليها ينسب الإمام الحادي عشر حسن العسكري. وسعها بعد المعتصم ابنه الخليفة الواثق بالله وأوصلها إلى قمة ازدهارها واتساعها الخليفة المتوكل على الله بن هارون الرشيد وبنى فيها مسجد المئذنة.
وسامراء من أمهات المدن العراقية القديمة أقام فيه العرب المسلمون من تأسيسها إلى جانب سكانها القدماء وجاء إليها الهاشميون الأئمة من المدينة المنورة والنجف, يحضن الجميع التسامح المذهبي على مدى قرون حتى جاء الاحتلال الأميركي .ومازالت سامراء تزخر بالآثار الإسلامية وتذكر بتاريخها الساطع عندما كانت مركزاً للحضارة والعلوم والفنون. وتقع المدينة على الضفة الشرقية لنهر دجلة إلى الشمال من العاصمة بغداد, يحدها من الشمال تكريت, ومن الجنوب بغداد, ومن الغرب الرمادي, ومن الشمال الغربي الموصل. كانت سر من رأى عاصمة للعباسيين, وحرّف اسمها القديم, عندما كانت المدينة عامرة ومزدهرة, فأمست (ساء من رأى) بعدما تهدمت وتقوضت عمارتها جراء الحروب والإهمال بعد أن عاد الخلفاء بعد المتوكل إلى بغداد.
هل تأكل نار الفتنة المدمرة العراق, بعد أن صب تفجير مشبوه استهدف في 22-2-2006 ضريح الإمامين علي الهادي والحسن العسكري, المزيد من الزيت على نار التوتر الطائفي في العراق? ومن هو المستفيد الأول من خلط هذه الأوراق بشكل معقد ومبهم. لماذا هذا التوقيت بالذات? وهل حرب المساجد هي نتيجة أولية لسياسات الشحن الطائفي التي تمارسها القوات المحتلة? هل يستطيع العراقيون التصدي للسقوط في مستنقع الفتنة الطائفية?
يصعب إيجاد ردود معقولة وواضحة عن الأسئلة التي تسيطر على المشهد السياسي في العراق من بروز ظاهرة الحل الطائفي العراقي للمسألة السياسية. إن الطائفية وباء و طوفان مرضي عفا عليه الزمن الآن, لا يمكن دفعه إلا بتكاليف أبناء البلد على صون الوطن أمام الطامع الأميركي الشرس.وليس من الصحيح أن دفعه يكون بالذهاب في مجراه لأن ذلك يزيد من منسوبه ومن فعله المدمر. وأيا كانت الحال فقد أصبح ما يسمى الاتجاه القومي والطائفي والديني وافرازاته في تكوين التشكيلة الحكومية العراقية أحد أهم المعادلات السياسية في تسميم الأجواء ونسف امكانيات التعايش بين أبناء البلد الواحد, ومن خلال البرامج الطائفية الانتقامية والتوجه عبر تصريحات إقصائية لبعض الرموز.
إن المناخ الطائفي الذي زرعه الاحتلال الأميركي في العراق, هو النار التي أشعلت الفتنة فقام عملاء الاحتلال بتفجير الضريح المزار, بدليل أن سامراء كانت تحت سلطة الجيش الأميركي في ظل منع التجول منذ أسابيع. وأشار المراقبون, في هذا السياق إلى وجود دعوات في الولايات المتحدة لتقسيم العراق على أساس عرقي وطائفي وأوضحوا أن هذه البيئة التي أوجدها الاحتلال جعلت العراق مسرحاً لتدخل أجهزة الاستخبارات الدولية وبينها جهاز الموساد الذي يعمل في شمال العراق, والواضح أن تفجير مرقد الإمامين علي الهادي والحسن العسكري لم يخرج عن منهج تطبيق الاحتلال الأميركي, للسياسة الاستعمارية القديمة المجربة- أي سياسة فرق تسد- وإثارة الفتنة الطائفية هذه لا تقتصر على الجانب المذهبي في العراق بل تشمل الجانب العرقي والقومي لكي تقوم حرب الكل ضد الكل. ولكن التركيز الأميركي موجه بالدرجة الأولى إلى إثارة الفتنة الطائفية بين العرب لكونهم يشكلون 80% من الشعب العراقي وهم مسلمون معروفون بتقيدهم بالثوابت القومية وبالتراث العربي والاسلامي ومناهضتهم للاستعمار .
ولهذا سارعت منظمة المؤتمر الاسلامي والمرجعيات الدينية في الدول العربية والقوى العراقية الدينية والسياسية إلى إدانة الاعتداء بشدة ودعت إلى الهدوء وأجمعت على أن هدفه إثارة فتنة طائفية, إلا ان الاحتلال الأميركي يعمل باستمرار على تطبيق سياسة زرع الفتنة داخل العراق,ما يؤدي إلى نشر الكراهية بين الطوائف الدينية والعرقية والمذهبية واشعال حروب ونزاعات داخلية تساعد في إشغال أهل البلد عن مقاومة المحتل.
*سفير سابق