في البدء كانت الأسطورة تراتيل رافدينية
ملحق الثقافي 4/4/2006 فراس السواح ترتيلة إلى شَمَشْ، إله الشمس: عُثر على هذا النص في مكتبة الملك الآشوري آشور بانيبال بنينوى (668-633ق.م)، وهو عبارة عن صلاة لإله الشمس البابلي «شَمَشْ» باعتباره قوة كونية شمولية، وإلهاً للقانون والنظام والعدالة. فهو يشرق على الأرض بجميع أقطارها، وعلى البحار فيخترق أعماقها،
كما وأنه يشرق على العالم الأسفل أيضاً؛ وهو يطّلع على أعمال البشر فيحسن إلى الأخيار ويعاقب الأشرار. وهذه منتخبات من سطور هذا النص التي يزيد تعدادها عن المائتين: أيا مبدد الظلام وقاهر الشر في الأسفل وفي الأعلى. أي شَمَشْ، يا مبدد الظلام وقاهر الشر في الأسفل وفي والأعلى. يا من يرمي بأشعته كشبكة فوق البلاد والأصقاع، وفوق الجبال العظيمة، وفي `«أعماقالبحار». لظهورك يبتهج كل الأمراء، لظهورك يحتفل كل آلهة الإيجيجي، ويتملون باستمرار بهاءك المتألق. لظهورك تسطع جهات العالم الأربع بالنور، ويغمر ضياؤك الجبال العظيمة، ويصل إلى حدود الأصقاع القاصية. عندما ترتفع فوق القمم الشاهقة تفحص بعينيك الأرض، وتراقب من علاليك شعوب الأرض قاطبةً، وترى كل ذي نفس حية. أنت راعي العالم الأسفل وحارس العالم الأعلى. أنت المرشد والدليل، أنت نور الأشياء كلها يا شَمَشْ. تَعبر بانتظام فوق المحيطات الواسعة، التي لا يعرف أعماقها حتى الإيجيجي أنفسهم، فترسل بأشعتك التي تخترق أغوارها التي لا تُسبر، ووحوش البحر وحيواناته تتطلع إلى ضيائك. أنت مستيقظ دوماً؛ في النهار تذهب وفي الليل تؤوب، ولا يوجد بين الآلهة من يتعب نفسه كما تفعل، لا يوجد بين الآلهة من هو نشيط ومفعم بالحيوية مثلك. الأمصار المتباعدة المختلفة اللغات واللهجات، أنت تعرف ما يجري فيها وتوجه خطاها. لظهورك يبتهج بنو البشر، وتتوق لنورك، يا إلهي شَمَشْ، الدنيا بأسرها. وأمامك ينحني الشرير والبار على حدّ سواء. من يخترق أعماق البحر إلا أنت؟ يا من تحاسب بالحق الصالح وتحاسب الشرير، وأحكامك الحقة التي تصدرها لا يمكن تغييرها. أنت الذي يقف إلى جانب المسافر عندما يكون طريقه صعباً، والذي يهب الشجاعة للملاح الذي يخشى الماء الهائج، ويأخذ بيد الصياد في المسالك الوعرة غير المطروقة، وينقذ التاجر وأحماله من المهالك. تنشر شبكتك الواسعة، لتمسك بالرجل الذي يشتهي زوجة صديقه. عندما توجه أسلحتك نحو أحد فلا منقذ له منك، وخلال محاكمته لا يقف إلى جانبه حتى أبوه. تكسر شكيمة فاعل الشر وتقطع دابره، وتذهب بمال من يتلاعب بالحسابات. تودي عدالتك بالقاضي الفاسد إلى السجن، وتُنزل عقابك بالمرتشي الذي يحرف سير العدالة، أما المستقيم الذي يرفض الرشوة وينتصر للضعيف، ففؤادك به يفرح، تثري حياته وتزيد في أيامه. القاضي النزيه الذي يصدر الأحكام بالحق، تجعل مكانته سامية وتسكنه مساكن الأمراء. ما الذي يجنيه المرابي الذي يوظف أمواله بربح فاحش؟ إنه يكذب من أجل ربح آنيّ ولكنه يخسر ثروة بأكملها. ما الذي يجنيه من يغش في الكيل والوزن؟ ومن يغير عن عمد في أحجار الميزان وينقص منها؟ إنه يكذب من أجل ربح آنيّ ولكنه يخسر ثروة بأكملها. أنت المستجيب لمن يحتكم إليك، فتنصف المظلوم وتعيد إليه حقوقه. يداك تحيطان بكل الأنام، وتصغي للابتهالات والصلوات والعبادات، والركوع الخاشع، والسجود، وتلاوة التراتيل. بصوت مكتوم يدعوك الإنسان الضعيف، يدعوك المسكين، والبائس، والمضطهد، والفقير. كلهم بصدق يتوجهون إليك، يقدمون التقدمات ويرفعون المزامير. الرعاة البعيدون عن بيتهم ومدينتهم، عندما يخافون في البراري الموحشة المترامية، يتوجهون إليك، وكذلك أهل القوافل عندما يخافون في أسفارهم. إليك يتوجه التجار والباعة المسافرون الذين يحملون الأحمال، إليك يتوجه الذين يضربون على غير هدىً في الطرق الصحراوية. وحتى الأرواح الهائمة والأشباح المتجولة تتوجه إليك. الذين يقطعون الأرض الواسعة، والذين يصعدون الجبال العالية، وحوش البحر الزاخر بالرعب، وحيوانات الأعماق المائية، وأسماك الأنهار، كلها تقف في حضرتك. أي الجبال لم تكس نفسها بضيائك؟ أي أصقاع الأرض لم تتدفأ بوهج نورك؟ يا مضيء العتمات الذي يجعل الظلمة تتوهج. يا مبدد الظلام الذي يجعل الأرض الواسعة تضج بالنور. يا من يجعل النهار نيِّراً ويرسل حرارته اللاهبة على الأرض في منتصف النهار. يا من يجعل النهار قصيراً والليل طويلاً، [و في غيابه يحل البرد والصقيع والمطر الثلج (البقية تالفة) ترتيلة إلى إله القمر نانا / سن: عُثر على هذه الترتيلة في موقع مدينة نينوى الآشورية، ومع ذلك فإنها ليست من محتويات مكتبة آشور بانيبال على الرغم من أن الباحثين يرجحون أنها تعود إلى عصر هذا الملك. وهي منقوشة بالسومرية والأكادية معاً، ويظهر فيها إله القمر الرافديني باسمه السومري «نانا». يقول كاتب النص بأنه نسخه عن نص أقدم، ولكن الباحثين لم يستطيعوا تحديد عصره بدقة. وإني أرجح أن تاريخه يرجع إلى عصر النهضة السومرية الثانية خلال فترة حكم أسرة أور الثالثة في نهاية الألف الثالث قبل الميلاد. وكما سنلاحظ، فإن الترتيلة تطابق بين إله القمر وعدد من الآلهة الرافدينية الكبرى، مثل الإله البدئي أنشار المعروف لنا بشكل جيد من أسطورة التكوين البابلية، والإله آنو كبير آلهة المجمع الرافديني. وهذا ما يسبغ على هذه الترتيلة نَفَساً توحيدياً واضحاً. أيها الرب، بطل الآلهة، من مثلك مُعظَّم في السماء والأرض. أيها الرب نانا، الرب أنشار. بطل الآلهة. أيها الرب نانا، الرب الكبير آنو. بطل الآلهة. أيها الرب نانا، الرب سن، بطل الآلهة. أيها الرب نانا، رب مدينة أور، بطل الآلهة. أيها الرب نانا، رب التاج الساطع، بطل الآلهة. أيها الرب نانا، صاحب الملك الكامل، بطل الآلهة. أيها الرب نانا، الذي يتمختر بجلال بعباءة الإمارة، بطل الآلهة. أيها الرب نانا، رب الـ «إيجيش- شاريجال» (معبد القمر في أور)، بطل الآلهة. أيها الثور الغضوب القوي القرنين والمكتمل السيقان. ذو اللحية اللازوردية الممتلئ بالوفرة والخيرات. أنت المولود الذي أنجب نفسه بنفسه تاماً كامل الهيئة. طلعتك تبعث السرور وحيويتك الفياضة لا كابح لها. أنت الرحم الذي أنجب كل شيء. الذي يقيم بين البشر في مسكنه المقدس. أنت الوالد المسامح الرحيم في قضائه. من يمسك بيديه حياة كل البلاد. أيها الرب، يا من تملأ قداسته البحر الواسع روعاً وأعماق السماء. يا سَلَفَ البلاد الذي أوجد المعابد ووهبها الأسماء. أيها الأب الذي أنجب الآلهة والبشر. الذي أوجد المقامات المقدسة وأسس للقرابين والتقدمات. أنت من أسس الملوكية ووهب الصولجان. أنت من يقرر المصائر إلى نهاية الأزمان. أيها الأمير القدير الذي لا يستطيع أحد من الآلهة سبر قلبه. أيها المُهر السريع الذي لا تتعب ركبتاه، ويفتح الطريق لأشقائه الآلهة. شعاعك ينطلق من قاعدة السماء إلى ذروة السمت، وتفتح أبواب السماء لتهب النور لكل البشر. أيها الأب الوالد الذي ينظر بحنو إلى كل الكائنات. أيها الرب الذي يقدّر مصائر السماء والأرض. صاحب الكلمة التي لا يقدر أحد على تغييرها. أنت المتحكم بالماء والنار، راعي الكائنات، وليس لك بين الآلهة من شبيه. من المبجل في السماء؟ أنت، أنت وحدك المبجل. من المبجل في الأرض؟ أنت، أنت وحدك المبجل. عندما تُسمع كلماتك في السماء، يخر آلهة الإيجيجي صاغرين. عندما تُسمع كلماتك في الأرض، يقبّل آلهة الأنوناكي الأرض أمامك. عندما تنطلق كلماتك عبر السماء كالريح، تفيض خيرات الطعام والشراب. وعندما تستقر كلماتك في الأرض، يطلع كل زرع ونبات. كلماتك تملأ الحظائر والإصطبلات، وتغني أحوال البشر. كلماتك تصنع الحق والعدل، وتدفع الناس إلى قول الصدق. كلماتك البعيدة في السماء، والخبيئة في الأرض، خافية عن الأعين. من يقدر على فهم كلماتك، من يقدر على مثلها. أيها الرب، في السماء سلطانك، وفي الأرض بسالتك. وبين إخوتك الآلهة ليس لك ند ولا مزاحم. المراجع: 1- F. J. Stephens, Somero- Akkadian Hymns and Prayers, in: James Pritchard, Ancient Near Eastern Texts, Princeton, New Jersey, 1969.
|