تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


محمد الوهيبي.. الاستقراءات الإنسانية الدافئة

ملحق الثقافي
4 /4/2006
فـتحي صالح

يحمل رؤاه الذاتية المفعمة بالأحاسيس و المشاعر الخاصة و يفرغها في لوحته ذات النمط الخاص من التشكيل الذي ابتدعه وفق رؤاه الفلسفية المحملة بما تكتنزه مخيلته من الموروثات الشعبية و المنمنمات التي وجدت لديه مستقراً و متنفساً تشكيلياً, فجعلها تخرج من إطارها المجرد إلى الإطار ذيs المدلول الفكري المعبر عن جملة الحالات التي مر بها الإنسان على مدى عصور ...

في عمله الفني صيرورة حركية متفاعلة في كل جوانبها الإبداعية من خلال الشكل و المضمون و التكوين, و ألوانه الخاصة التي تضفي على أعماله الفنية مكانة إنسانية بحلة مختلفة, متلونة بما يتوافق عصرياً مع المعطيات الاستثنائية فيما يحيط بها من جوانب خلاقة ومتفاعلة في جوها البنيوي القائم على الحركة الديمومية و التواصل مع المكونات الحركية الداخلية للمشاعر الدافئة في جوانبها الفنية . و هو هنا إذ يقدم أعماله بهذه الصيغة الاستثنائية إنما يعبر عن الإمكانية العالية التي تُخرج المكنونات الداخلية من جوّانيته إلى النور لتشكل فسحة للاستمتاع بها كصيغة بصرية ماثلة تحدد رؤى و تواصلاً حسياً بينها و بين المتلقي الذي يخوض فيها بما تتضمنه من رفعة و سمو و تبصر يثير المشاعر الكامنة للذات وهي تتوق لما هو جديد ليخرجها من ضغوطها الداخلية فتعيش حالة من الاستثنائية في فسحة فنية لها أجواؤها التعبيرية و معادلاتها التي تروق للعين .‏

هي أعمال تُنتج داخل صاحبها تلك الإضاءة الروحية في استشراقة نورانية مبصرة لما هو منفتح على الذات و على جوانية الإنسان الكامنة في داخله تفاصيل يصعب قراءتها لأنها تأتي من الكثير من المخزونات و التراكمات الجمعية للإنسان على مدى عصور عديدة و متنوعة, و هي ليست بحاجة لمن يفلسفها, أو يقولبها, أو يضعها في أطر قانونية دارسة, و إنما إلى فنان استثنائي قادر على صياغتها بصورة حسية إنسانية شفيفة تندي القلب و تهذب الروح و تخرجها من عالمها الواقعي في نزهة إلى عالم سحري مليء بحياة جديدة و رؤى مختلفة تجعل ناظرها يستمتع بالرقي التذوقي و الحلم في جوانب تشكيلية حقيقية صاحبها ذو موهبة قادرة على مصادرة الحزن و القلق و أشياء تشبهها, و من ثم توريد حالة جديدة من الغبطة بعوالم جمالية لها سحرها و فلسفتها و حكمتها الأخاذة, بما تجلبه معها من رؤى جديدة حاملة عصرنتها و أصالتها في جوانب ابتكارية . محمد الوهيبي يستطيع أن يوالف حكايته وأجواءه في صيغة تحمل هويته الخاصة في جوانب التشكيل لتدخل في عالم التجدد الإنساني و التشكيلي المتماهي مع هذه الروح, روح العصر و الاستفادة من خاماته بصورة تحمل العديد من الجوانب التي تبحث في الرؤى الهاجسية للتشكيل الذي هو بذرة حقيقية لمكونات إنسانية تحتاج إلى صيغة بصرية تخرجها من حالة الغموض إلى حالة الوضوح, و تبعث فيها روحاً متجددة من الفكر والفلسفة و الرؤية الذاتية الموافقة لكل ما يمكن أن يكون متجدداً و فاعلاً في الفلك الإنساني الرحب, لذلك نراه يدفع بأعماله في جوانبها الفكرية و الفلسفية أيضاً إلى جانبها الموسيقي البصري الذي هو رؤية تكنيكية و تكوينية, يستبصرها من خلال مجموعة القوى الدافعة في ذاته الإنسانية الدافئة الحاملة هواجسها و طموحاتها لتخرج بها إلى الإطار الإبداعي الإنساني ذي الدلالة الفكرية و النفسية الداخلية, ليلعب هذا الإبداع دوراً محركاً و محرضاً للمشاعر الكامنة في الذات, إنه يخرج ما يشبه الحلم في الاستقراءات الداخلية المحملة بالرؤى و الحكايات الإنسانية التي تولدت عبر التجارب الإنسانية المديدة لتصبح رؤى بصرية في حالة تشكيلية متكاملة الجوانب الإبداعية المشكلة لحركة الصيرورة المتفاعلة في الكثير من الرؤى التي تحاول جذب الإنسان الذي تغرب عن كينونته البشرية في التدافع و الزحام ... الوهيبي منذ البداية ابتعد عن التشكيل الأدبي و اتجه نحو العمل الفني في إطاره التشكيلي في مراحل مختلفة أهمها : ▪ مرحلة اللون البني " الكرومي ": و هي المرحلة التي طبع بها أعماله بالكثير من التميز و الاستثناء، حيث أن هذا اللون له مبرراته و دوافعه, وهو لون متفاعل ديناميكي متواصل مع كافة الألوان و يندمج معها . و الألوان الطبيعية تتحد فيه مشكلة حالة استثنائية فريدة, هو لون الأرض بالدرجة الأولى التي تتماهى إليها كافة الأحياء العضوية لتصبح جزءاً من مكوناتها الطبيعية و مندمجة في لونها الاستثناء ... ▪ مرحلة تعددية اللون " اللون الشعبي " : استخدام هذه الألوان يعطي صيغة و طبيعة خاصة لعمله الفني ذي السياق الإنساني و التراثي في الطبيعة المكونة لهذه الأعمال التي تتسم بجماليات خاصة في الإبداع والاستثناء مما يجعلها حالة حسية فنية و تشكيلية ابتكارية .. ▪ مرحلة استبصار اللون : نجد فيها تحولاً بنيوياً و عضوياً في مكونات اللوحة من جوانب عديدة على صعيد التكوين و التعامل مع العناصر, و كذلك تطويره لأدواته و ألوانه التي صاغها صياغة مختلفة مدخلاً عليها أو مستخدماً تقنيات أخرى فيها الفرادة والإبداعية والتحدث بلغة العصر, عصر المنقلبات التكنيكية و التكوينية في التعامل مع الأدوات و المفردات التشكيلية من خلال الابتكار و التطوير و إيلاج الحس العصري و الداخلي في هذه المكونات المتسمة بمقدراتها و مكوناتها البنيوية و التشكيلية التي تحمل ذلك الإحساس المرهف و الاستثنائي, إنها عوالم أخرى استطاع الفنان المتماهي معها أن يلج مكنوناتها الداخلية و يستكشف العديد من أسرارها التي منحته روحه الجديدة و المتمكنة.. الخط في عمله بنيوي, كثير التداخل والتفاعل و هو يشكل مجموعة من التراكيب التي تبدي عناصر العمل الفني في مشهد الدرجة الثانية المعتمد على المساحات اللونية الصغيرة و التي تشكل بدورها منمنمات متحركة في مسارات متنوعة الاتجاهات . والدرجات اللونية المتوسطية, على الغالب هي تهشير متلون الكثافة من تلك الخطوط ذات الثخانات و الأطوال و الأنماط المختلفة . أما في المشهد الأساسي فإنه يعتمد على المساحات اللونية الواسعة, فيما عدا بعض التفاصيل الصغيرة, و الخط اللين الممتد في محيط تلك المساحات التي تؤلف أشكالاً رشيقة و بخاصة المرأة الهيفاء وهو يبرز نسبها التشريحية بصيغة جمالية آخاذة, و يظهر حركتها الجسدية بمنتهى الليونة, هو خط ناتج عن الخبرة . و هو لا يتورع عن تحطيم التفاصيل الواقعية الدقيقة لصالح تشكيلية المشهد, أو بناء علاقة تكوينية بين الشكل الأساسي و العناصر الزخرفية " المنمنمات المستمدة من موروثات تراثية ... " . و كذلك هو لا يتورع عن تطوير الكائن في صياغة خاصة لإعادة خلقه بصورة أسطورية, و تطويعه فيحتل مكانته التشكيلية في العمل الفني .. و نجده يُدخل ما هو غير شائع من أحبار و ألوان بتنوع قليل مستند إلى تراكيب تخييلية عبرت إلينا من خلال فرشاته المفعمة بالدفء و المشاعر النبيلة و البديعة . إيقاع اللوحة لديه يعتمد في الغالب على المتضادات اللونية, و لكن بصورة أظهر من خلالها الأحاسيس المغيبة, و أبرز فيها العلاقات التكافؤية للقيم اللونية المبنية على الرؤية البصرية, و الحاجة إلى إشباع الرغبة في خلق توازنات تؤدي إلى استقرار لوني و ارتياح بصري ضمن تركيبة تحمل النوعية و التمايز من خلال الفرادة في خلق هذه العلاقات و التوازنات بعيداً عن التصنع و التكلف, و لهذا تشكل هذه القيم المحرك و الدافع الفعال الذي تبنى عليه جماليات اللون ... و نجد أن التواصل الزماني و المكاني يرتبطان بالفعل و الحدث و المهمة التي يسندها الفنان لعمله الفني الذي يُحمّله خلجاته الإنسانية و يسبغ عليه رداءه بحلة فنية تتجلى بالقدرة على التموضع و التمفصل في الكثير من تفاصيل الحياة الشعبية و الحكايا والرموز التراثية وما إلى ذلك مما يمكن أن يحوله الفنان إلى حالة فنية كينونية ... الفنان محمد الوهيبي : - مواليد فلسطين / طبريا عام 1947 . - خريج كلية الفنون الجميلة بدمشق, قسم الحفر . - عضو نقابة الفنون الجميلة . - عضو اتحاد الفنانين التشكيليين الفلسطينيين / فرع سورية. - عضو اتحاد الفنانين التشكيليين العرب . - أقام مجموعة معارض فردية . - يشارك بنشاط وحيوية في النشاطات الفنية محلياً و دولياً .‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية