تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الصّحراء والعيون الحزينه

ملحق الثقافي
4/4/2006
زياد علي- ليبيا

-1- كان ذلك في شهر يوليو تقريباً... وبالتحديد الأيام الأخيرة منه..عيناك تتابعان طفلة صغيرة اندفعت تجري من والدتها ناحية حمامة ظلت تفرد جناحها الأيسر في وجه السماء كشراع مركب مستمتعة بحبات المطر المتساقطة. أرجل المارة تنعكس على الإسفلت المغسول فيبدو لكل شخص امتداد آخر. عيناك تنشدّان متفحّصتين الممرات التي تندفع فيها الرؤوس من فتحة« الأندر جرواند».

الطفلة الجميلة بتنورتها المزركشة تبهجك أنها في سباق مع الحمامة.. كنت تتمنى لو كان في (ترفال سكوير) حمامة واحدة بيضاء.. -2- عندما رفعت رأسك الى السحب اصطدمت نظراتك بتمثال ذلك الضابط البحري الذي قاد هجوماً على الهند ومات في إحدى المعارك. قبعته تُذكِّرك بفلم ليلة البارحة.. إنها من النوع الذي يرتديه القراصنة. يده تمسك سيفاً.. كان في شكله العام رجلاً شرساً، وكنت تبحلق فيه فيما يقفز السؤال على شفتيك. -لماذا لاتوحي بالسلام؟ كنت تريد أن تخرج له لسانك هازئاً. -إن حمامة واحدة لن تحطَّ بجانبك سيدي الجنرال. أنت تعرف أن شيئاً ما في تكوينك يخيف الحمام ولكنه يتجاهل ما تقوله.. وهذا ما يدفعك الى أن تشمت به. - جميل أن تُنْصَبَ في أعلى المسلة المغروسة في الميدان. إنك محطة استراحة غير مضمونة. المطر يتساقط في دفعات خفيفة.. ووجه الشمس يبتسم في بعض المرات. هل كنت تتوقع مثل هذه النهاية سيدي؟ وهل تبقَّى لك شيء لم تقامر به. -3- عقارب الساعة تنهش تفكيرك مع كل خطوة تبتعد فيها عن السادسة. -سوف تحضر بعد دقائق.. هذا ما تُحدِّثك نفسك به وستكون ابتسامتها هديتها المعتادة. سوف تنظر الى الارض بمجرد ان تقع عيناها عليك حتى تجهض رغبتها في أن تجري بأقصى سرعة.. ومع كل خطوة تبدو ابتسامتها أكثر إشراقاً. وستسرع في خطواتها عندما تصبح قريبة منك. وتفتح لك ذراعيها.. سوف ترتمى في حضنك وستقبلها بلهفة. ستقول لك: إن المسافة من «ريدنج الى لندن» أخذت مني وقتاً طويلاً... وعندما تلاحظ أخيراً انك مبتل ستعاتبك بمصادرة ابتسامتها. ستقول إننا لايجب أن نتصدق بما معنا من نقود على الأطباء، وتبادلها انت الآخر الإبتسامة وتقفز كلماتك مزغردة. عندما يكون أمام المرء طريق واحد فهو مجبر على اختياره.. إذا كان لايريد الوقوف. -4- ارتفعت يدها الى وجهك... سقطت دمعتها على خدِّها.. عندما رفعت نظرك الى الشرطيِّ الواقف قريباً منكما ردَّ عليك بابتسامة. كانت هذه أول مرة تحس فيها أن هذا الشخص ليس عدوك.. وإنك تستطيع ان تبادله الود، كان يضحك فيما ظلت تمسك عنقك بيدها وتضرب بالأخرى حبيبات المطر المعششة على رأسك. وفيما كنت تمسك أصابعها وتقفزان كطفلين ناحية الحديقة الخضراء كان الحمام يسرع في خطواته من أمامكما مفسحاً الطريق. كانت السعادة التي بداخلك أكبر من أن تعرف مصدرها.. وعندما وقفتما أمام بائعة الفاكهة لشراء رطل من الفراولة كانت هي الأخرى تبتسم وتنظر إليكما بفضول. كنت تريد أن تقول لها:« صدقيني سيدتي أنني عشت ربع قرن في مدينة لم أشعر أن احداً فيها يبادلني الحب». كانت هي في تلك اللحظة تنتقي برتقالتين.. وكنت تكره هذا النوع الأصفر( جريب فروت) ولكنها كانت مُصرَّة على أن تحافظ على رشاقتها.. أو بشكل آخر.. لا تريد أن تبذرا نقودكما. -5- افترشت الأرض، وضعت الفراولة بجانبها وفيما أخرجت من الكيس الوحيد الذي تملكه سكيناً لتنزع عن البرتقالة« قشرتها» كنت تسرع برأسك لتضعه على الأرض متمدداً على العشب المندىَّ. عندما يمنحك الرب فتاة من بلادك تحبك وتحنو عليك وتجد شرطياً يقف قريباً منكما يحمل بدل النظرات النارية والوجه المتخشب ابتسامة رقيقة مثل وريقات زهرة اللوز -عندما تعيش كل ذلك بدون تقسيط-.. وتجد أنَّ إغفاءةً صغيرة تجعل أفكارك تجتاز الحدود دون جواز سفر.. فحذار أن تنام. -6- في منطقة الصحراء لاتحكِ للناس عن الأنهار التي تجري في بقية مدن العالم- فإما أن تحزنهم وإما أنهم لا يصدقونك. لندن3791‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية