|
عبد المعين الملوحي ... تناغم الأطر الفكرية ! المؤلف: حسن يازجي ملحق الثقافي
كلما كان هناك تنظيم أكبر ومعانٍ أقل، كذلك عارض معنى الحاد أبي العلاء المعري في كتابه، دفاع عن أبي العلاء المعري، واصفاً إياه بالمؤمن الفيلسوف دفاعاً عن حقيقته الإنسانية بقوله شعراً: ولو أني حبــــــــــــــــــبت الخلد فرداً لما أحـــــــــببت بالخــــــــــلد انفراداً فلا هطـــــــــــلت عليَّ ولا بأرضي سحــــــــــانب ليس تنتظم البلاد وذلك في كتاب كامل أفرده لهذا الموضوع ويحمل النص في رأيه (معاني مختلفة) للمؤول الذي لا تواجهه إشكالية المعاني المتعددة إلا عندما يأخذ الكل بنظر الاعتبار حيث تتبين أحداث وشخصيات وحقائق طبيعية أو تاريخية كنسق كلي، أي كمجموعة دلالية كلية، وهذا هو الذي يسمح بتحويل المعنى من تاريخي مادي إلى فلسفي روحي، ففي تعدد المعنى في فكر الراحل تتبين المستويات الأربعة لمعاني فكر فلسفي، شعري، سياسي، أدبي. عبر وحدات نصية عريضة القوافي، لكن إشكالية القوافي المتعددة لم تعد إشكالية التأويل بمعناه الديني الروحي أو حتى بمعناه الدنيوي المادي فقط، وإنما هي في حد ذاتها إشكالية ذات طابع يمس فروعاً علميةً متعددةً، وذلك بحكم كونها ظاهرة دلالية تمكن تعبيراً ما من أن يقول شيئاً، ويعني شيئاً آخر في آن واحد، وبغير أن تتعطل الدلالة الأولى، وهي الوظيفة البلاغية للغة بالمعنى الحرفي للكلمة، إي قول شيء غير قول شيء مغاير. ومن هنا يورى في معظم أعماله الكثير من المفردات التي تصب في إطار الثقافة التي تفرد بها خلال رحلته الحياتية مع الشعر والفلسفة والأدب والسياسة متجاوزاً الشكلي والسياقي للأساطير، كما أن التحليل العلمي البنيوي لا يتحقق إلا مع وحدات النص ككل، أي مع جزئياته، وهنا تكمن الإشكالية. فالتأويل والتحليل كما يعرفهما الراحل الكبير عبد المعين الملوحي لا يتلاحمان لأنهما يعملان على مستويين مختلفين، ففي طريقة التحليل تنكشف عناصر الدلالة قبل أن تكون لها علاقة بما يقال. وفي طريقة التأويل التي تعتمد على التراكيب أو التأليف تنكشف وظيفة الدلالة التي هي البلاغة، وفي آخر الأمر الكشف عن مكنون ثقافته، ويشير في هذا الصدد إلى أنه لا توجد نظرية عامة أو قانون واحد للتأويل والفلسفة بل توجد نظريات متعددة ومتصارعة. والحق أن التأويل الفلسفي والأدبي والسياسي عنده يستمد شرعيته ومبرر وجوده من واقع الفكر التأملي الواسع ومن منطق ثنائية المعنى، وهذا المنطق البلاغي لا يعد في الحقيقة منطقاً صورياً، وأنما هو منطق متعالٍ يؤسس نفسه في نطاق الشروط الملائمة لرغبتنا في أن نكون وليس في نطاق الشروط التي تؤسس موضوعية العلوم الطبيعية، وفي إطار هذا المعنى الخاص بمنطق ثنائية المعنى والمناخ الفكري يمكن وصف التأويل عنده بأنه متعالٍ تماماً كباقي كبار الفكر في العالم وليس متعالياً على البشر. ومن هنا ذهب إلى ابعد من ذلك إلى التأمل وحده هو القادر على تبرير (السيمانطيقا) الخاصة بثنائية المعنى، أما فيما يتعلق بهدف السياسة عنده فيتمثل في غزو المسافة بين العصر الذي ينتمي إليه النص السياسي وبين المؤول نفسه في عالم المادية السياسية، ويتم ذلك في رأيه بأن يجعل ما هو غريب فيه مألوفاً لديه ولدى القارىء، وبذلك يتم نمو فهم المؤول الخاص لذاته من خلال فهمه للنص وللعصر الذي كتب فيه. وهكذا يمكننا القول بأن كل فكر سياسي عنده يعد بشكل جلي أو ضمني، فهماً ذاتياً يتم عن طريق وسائل فهم الآخرين والإدراك بحيثيات الفكرة الأساسة، لا نعرف أي شيء مقدماً أو بصورة مسبقة وإنما بصورة بعدية لاحقة وذلك على الرغم من أن رغبتنا في فهم أنفسنا هي التي تقودنا وتدفعنا إلى تلك المعرفة. وبناء على ذلك ذهب الأديب عبد المعين الملوحي إلى أدبية النص، لا يحصرنا في مدار عالم المعنى المغلق المثالي، وإنما يجعلنا ننفتح على عالم الوجود الأدبي, ويرجع السبب في ذلك إلى أن البلاغة اللغوية عنده تعكس كل ما كان موجوداً قبل النص فهي ليست مجرد انعكاس للكينونة، إنما هي علاقة شاملة تشكل علاقتي بالعالم أجمع. إنها اللغة التي نتشارك فيها جميعاً ولا نجد سواها متنفساً للتعبير عن أنفسنا، يصبح النص الأدبي بمثابة السبيل إلى إعادة صيرورة خلق الروح في البنيان الفكري في عالم تزاحمت فيه الأفكار والمعايير أدت إلى وجود مؤلف النص، لكن ليس بغرض فهم هذا المؤلف في حد ذاته وإنما بغرض الوصول إلى عالم الأدب والظروف المعيشة التي تسبق لغة النص المؤلف. وهذا النص الأدبي المؤلف نفسه لا يجد اكتماله إلا داخل الذات المؤولة، وقد رأى أديبنا الراحل عبد المعين الملوحي، أن هذا الفهم لعلاقة النص الأدبي برؤية الذات هو الذي يحقق الترابط والتكامل بين الهرمنوطقيا ككل وبين فلسفة التأمل الذاتي. فمن جهة أولى يمر فهم الذات عبر فهم رموز الثقافة التي تتوثق الذات داخلها وتتكون. ومن جهة أخرى لم يعد فهم النص الأدبي يمثل غاية في ذاته بل أصبح يتوسط علاقة الذات بنفسها، تلك الذات الأدبية التي لن تستطيع أن تجد معنى حياتها الخاصة داخل التأمل الذاتي المباشر، بل عن طريق الرموز والعلاقات والآثار الثقافية المكتوبة في نصوص أدبية مختلفة رسمها خلال مراحل حياته.
|