من قام به حتى الآن، وليتبعه بعد عامين في 18تموز 1994 تفجير أعنف في مركز للجالية اليهودية في بوينس آيرس أسفر عن مقتل 80 شخصاً وإصابة 300 آخرين.
ومنذ ذلك الحين، اسيء التعامل مع التحقيقات في هذين الحادثين بشكل متعمد، وبتدخل سافر من حكومات إسرائيل والولايات المتحدة، وأصبحت التحقيقات مملوءة. ومن أجل تغطية عمليات التضليل والخداع، تم استبدال وعزل القضاة، وبالطبع دون إيجاد المسؤول عن الهجومين. وتستمر إسرائيل والولايات المتحدة بتوجيه اللوم إلى إيران وسورية وحماس الجهاد الإسلامي دون أي دليل.
وتصر إسرائيل على أن الانفجارات ناجمة على سيارات مفخخة، ولكن لم يتم العثور على أي أثر لسيارات ملغومة.
ولفهم كل هذا، علينا النظر في جوانب أخرى بغية تسليط الضوء على هذه الهجمات، فضلاً عن فهم جذور السلوك الإسرائيلي. خصوصا في ما يشير إلى صراعات عنيفة تدور داخل إسرائيل بين قطاعات المعتدلين الذين يرغبون في السلام مع الفلسطينيين والأصوليين من اليمين المتطرف ممن لديهم استعداد للقيام بأي عمل لتخريب السلام، لضمان تحقيق أحلامهم في «أرض إسرائيل » وهي إمبراطورية يهودية تمتد من النيل إلى الفرات. هذا الصراع يأخذ طابعا عالميا عندما يمتد إلى الشتات اليهودي، بما في ذلك اليهود في الأرجنتين.
وهكذا، فإن تفجيرات وقعت في الأرجنتين تأخذ بعداً مغايراً عندما تدرج ضمن جدول زمني من المعالم الرئيسية في هذه الصراعات داخل إسرائيل:
- 30 أيلول 1991 - بدء فعاليات مؤتمر مدريد للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين برعاية الولايات المتحدة. وأصبحت حركة المستوطنين المتطرفة اليمينية الأصولية في إسرائيل تتغنى بالحرب على نحو متزايد.
- 17 آذار 1992 – انفجار قنبلة بعد مغادرة وفد رفيع المستوى من الحكومة الإسرائيلية وضباط الأمن لمبنى السفارة الإسرائيلية في بوينس ايرس بعد غذاء أعده السفير الإسرائيلي.
- 13 تموز 1992 – انتخب رابين رئيسا للوزراء. اجري تعديل على جهاز الاستخبارات الإسرائيلية الشين بيت المكلف بالتحقيق مع مجموعات المستوطنين اليهود الاصوليين داخل إسرائيل، وتوفير الأمن للسفارات الإسرائيلية في الخارج.
- آب 1992 - أعلن رابين ان إسرائيل لن تعيد مرتفعات الجولان إلى سورية.
- 13 أيلول1993 - وقعت إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية اتفاق أوسلو، واعترف كل منهما بالآخر.
- 25 شباط 1994 تمكن متعصب يهودي أميركي باروخ غولدشتاين من عبور نقاط تفتيش الجيش الإسرائيلي في الخليل وهو يحمل رشاشا وفتح النار على الفلسطينيين خلال الصلاة في الحرم الإبراهيمي وقتل 29 شخصا وأصاب 125 آخرين. وتعرض غولدشتاين للضرب حتى الموت وسرعان ما أصبح قبره مزارا للحج عند المستوطنين الإسرائيليين.
- من شباط حتى أيار 1994 وقعت اتفاقات في القاهرة بين إسرائيل ومنظمة التحرير وهو ما عرف باتفاق غزة - أريحا.
- 1 تموز 1994 - سمح رابين بعودة ياسر عرفات إلى فلسطين بعد 27 عاما في المنفى، ما أثار غضب المستوطنين المتشددين.
- 18 تموز 1994 - انفجار سيارة ملغومة يستهدف السفارة الإسرائيلية في لندن وإصابة 14 شخصاً. وبعد مرور 12 ساعة على الحادث, انفجرت سيارة أخرى في مكاتب مجموعة من اليهود يجمعون التبرعات وأصيب خمسة أشخاص بجراح.
- 26 تشرين أول 1994 – توقيع معاهدة السلام بين إسرائيل والأردن.
- 28 أيلول 1995 توقيع اتفاقات طابا وأوسلو الثاني.
- 4 تشرين ثاني 1995 – اغتيال رئيس الوزراء «الإسرائيلي» اسحق رابين في اجتماع حاشد في تل أبيب. لم يكن قاتله إسلامياً ولا نازياً، وإنما شاب أصولي ينتمي إلى حركة الاستيطان اليهودية، ومرتبط أيضا بالشين بيت. ترأس رئيس المحكمة العليا مئير شامغار لجنة شامغار التي حققت في عملية الاغتيال، وخلصت إلى ان (شين بيت) مسؤولة عن تعريض حياة رابين إلى «مخاطر جسيمة»، وفشلها في التصرف إزاء التهديدات ضد حياته من قبل متطرفين يهود.
- كانت لعملية الاغتيال عواقب وخيمة جيوسياسية حيث حلت القيادة اليمينية المتطرفة للأحزاب ليكود وكديما محل حزب العمل الإسرائيلي المعتدل: بنيامين نتنياهو، ارييل شارون، ايهود اولمرت، واليوم، ومرة أخرى نتنياهو، وأفيغدور ليبرمان. منذ ذلك الحين، تم التخلي عن مبدأ «السلام مقابل الأرض» واستعيض عنها بالتطهير العرقي المسلح كما وصفها الرئيس السابق جيمي كارتر في كتابه «فلسطين: سلام لا فصل عنصري»الذي صدر عام 2006.
وعندما يتم إدراج كل من التفجيرات الإرهابية في الأرجنتين ضمن هذا الإطار الزمني للأحداث الداخلية في إسرائيل، نعلم سبب عدم إيجاد الفاعل الرئيسي.
رغم أن الولايات المتحدة تماشي إسرائيل في إدعائها أن إيران وسورية وحماس هم من ارتكب هذه التفجيرات، وفضلاً عن التدخل الصارخ في السلطة القضائية في الأرجنتين والسلطات التنفيذية، يبدو ان هنالك سيناريو أكثر قبولا وهو: أن المخابرات الإسرائيلية قد تكون طرفاً مباشراً في كل هذه الهجمات، وضمن منطق العنف داخل إسرائيل المتزايد الذي جرى في التسعينات.
ولا بد للسلطات الأرجنتينية التي لم تجد أي علاقة إيرانية أو سورية مع الحادث، أن توصي ومعها السلطات العالمية بوجود علاقة لإسرائيل في كلا الهجومين.
في قضية تفجير السفارة عام 1996 أمرت المحكمة العليا في الأرجنتين الأكاديمية الوطنية للمهندسين لإجراء مسح شامل والتحقيق في سبب الانفجار. وخلصوا إلى أنها وقعت في عمق مبنى السفارة، وهو ما يعني ان الانفجار لم يحدث نتيجة سيارة مفخخة كما تدعي إسرائيل.
وفي آب من ذلك العام نشب خلاف علني بين رئيس المحكمة العليا خوليو نازارينو والسفير الإسرائيلي في الأرجنتين اسحق أفيرام، لأنه اعتبر ما توصلت إليه المحكمة إهانة. وأطلق صرخاته الهستيرية عن «معاداة السامية»!.
و لإثبات أن إسرائيل تقف وراء التفجيرات الإرهابية، يتوجب على المجتمع الدولي أن يوضح كل هذه الأحداث، حتى يتسنى لنا معرفة الفاعل الحقيقي.
ومن الواضح أن إصرار إسرائيل على توجيه أصابع الاتهام تجاه إيران يتم كذريعة من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، لمواصلة بحثهم المحموم عن ذريعة لمهاجمة إيران من جانب واحد. السفير الإسرائيلي في الأرجنتين، دانيال غازيت، يتهم ايران في أحداث السفارة وبعزمها القيام بهجوم إرهابي ثالث ضد المصالح اليهودية في الأرجنتين. يتوجب على العالم تفهم جذور السلوك الإسرائيلي من أجل تعزيز السلام في العالم.