(إننا نرجوكم: ابقوا في موطنكم.. ابقوا معنا.. ستكون الحياة صعبة بكل تأكيد.. لكنها نافعة ومحفّزة).
ظلّت أهم وأشهر أديبات ألمانيا في القرن العشرين تؤمن بالاشتراكية.. وظلّت تدعو للقيام بإصلاحات حتى قبل أيام من انهيار سور برلين. كان بحثها صادقاً عن طريق ثالثة بين الرأسمالية والشيوعية.. عن (الاشتراكية ذات الوجه الإنساني).
فور تأسيس جمهورية ألمانيا الديمقراطية, انضمّت فولف عن اقتناع إلى حزب الاتحاد الاشتراكي الحاكم.. و رغم إيمانها به, لم توفّر أي طاقة في انتقاد سلبياته.. لكنها بقيت وفيّة لدولتها حتى النهاية.
بعد الوحدة زاد الهجوم على كريستا.. واُتهمت بالانتهازية وأنها جزء من (المؤسسة).. فكان ردّها عبر كتاب (ما يبقى) توضح فيه ظروف تلك المرحلة وتكشف علاقتها بالبوليس السياسي لألمانيا الشرقية. وعندما ازدادت حملة الهجوم عليها نشرت الكتاب، لكي يحكم الناس بأنفسهم عليها.
في الكتاب..
تعترف أن إيمانها ورغبتها بالوصول إلى الاشتراكية ذات الوجه الإنساني هو ما دفعها للتعاون مع (الشنازي) البوليس السياسي، طوال ثلاثة أعوام (1959- 1962). في خضم تلك الأجواء المحمّلة بالتناقضات والصراعات.. لم يبتعد عن بال فولف سؤال حاولت دائماً الإجابة عنه: (أين يبدأ واجب الكاتب؟) ولعل إحساسها بهذا النوع من المسؤولية جعلها، بالنسبة لكثير من القرّاء في الشرق والغرب ولسنوات عديدة، كاتبة أخلاقية.
فهل كان انتماؤها الحقيقي للكلمة (الصادقة) المعجونة بهموم وقضايا أبناء مجتمعها سبباً في تحقيق النجاح النقدي والجماهيري في شطري ألمانيا المتعاديين؟ هي التي جمعت بين جائزة الدولة في ألمانيا الشرقية وجائزة بوشنر في ألمانيا الغربية, و كانت عضواً في أكاديمية الفنون في كلتا الألمانيتين.
وفولف وُلدت في لاندسبرج – غرب بولندا في الثامن عشر من آذار عام 1929.. لأب يعمل في التجارة. استقرت العائلة شمال ألمانيا في عام 1945 بعد أن تقرر إجلاء الألمان الموجودين في بولندا. درست علوم اللغة الألمانية.. وتزوّجت عام 1951 من الكاتب جيرهارد فولف.
تعود شهرة كريستا فولف إلى روايتها (السماء المشطورة – 1963) التي تحكي قصة عاشقين اصطدم حبهما بسور برلين الذي قسّم ألمانيا قبل عامين. في رواية (نموذج طفولة) ناقشت القضية الأهم التي شغلت جيلها متسائلةً عن الكيفية التي انساق الناس من خلالها وراء إيديولوجيا هتلر العنصرية.. حاولت تفسير ما حصل لا تبريره.. مقدّمةً تشريحاً عميقاً للنظام النازي.. وفي هذه الرواية تقول: (إن الماضي لم يمت.. إنه حتى لم يمضِ بعد).
على الرغم من كساد النظام الشيوعي, وعلى الرغم من قيام الوحدة, ظلّت فولف متمسّكة بإمكانية تأسيس دولة ديمقراطية في ألمانيا الشرقية بوجه إنساني للاشتراكية.. ما خلق ضجة كبرى داخل ألمانيا الموحّدة لأن الدولة كانت قد بدأت (بتنقية) الأجواء من بقايا الماضي ما دفعها للاغتراب فترةً في كاليفورنيا بالولايات المتحدة.
أصدرت الكاتبة سيرتها الذاتية عام 2003 تحت عنوان (يوم في السنة).. وفيها تصف نفسها (شاهدة على حقبة ماضية).
توفيت فولف في برلين عن (82) عاماً أواخر عام 2011.