وأن العقل السطحي لا ينتج رواية جيدة).
لكنه لم يوضح لنا ما هي هذه الشروط ولم يعددها واكتفى بالإشارة فقط.
وأنا أود أن أقول بأن القراءة السطحية أيضاً والسريعة وغير المتأنية لعمل ما ينتج عنها انطباع سطحي متعجل وغير حقيقي.
قد يقع في هذه المغالطة القارئ العادي والذي نحترم رأيه، أما بالنسبة لشخص يقدم رأياً نقدياً فكان الأولى أن تكون قراءته لما وقع بين يديه أكثر عمقاً ليأتي نقده موضوعياً وذا قيمة.
وأنا شخصياً يهمني رأي النقاد الأكاديميين المتخصصين بالنقد والذين درسوا نظرياته.
حول روايتي(أنين المدى) والنقاط التي تناولها الأستاذ زهير والتي لم يكن محقاً بها فأتى رأيه مجحفاً، فهو لم يدخل إلى أعماق الشخصيات وإلا لعرف أن محار ابنة البحر والتي أراد أن تثير دهشتها الصحراء لم تذهب إلى الصحراء في رحلة صيد للطيور الحرة أو في نزهة للاستكشاف بل ذهبت مرغمة للعمل، وسكنت في بلدة نائية، لا هي مدينة ولا هي قرية وإنما منطقة تمثل سكناً عمالياً، بيوتاً اسمنيتة مشادة وسط العراء مسيجة بسياج حديدي، وأن المشوار الوحيد الذي كانت تذهب إليه ومسافته عدة أمتار من بناء الإدارة إلى مطعم العمال.
وأنها لم تكن وزميلاتها يغادرن سكن العازبات، فكيف لها أن أن ترى جمال الصحراء ليدهشها ؟!
وفي ملاحظته الثانية، أقول أن محار لم تتعمد أن تلبس الثياب المتحررة التي تظهر مفاتن الجسد (ومن ثم تتلقى انتقادات لاذعة من المحيط الذي دخلته دون معرفة بعاداته وتقاليده).
أنا ذكرت بأن محار ابنة مدينة ساحلية موصوفة بالحرية والثورة، ومحار شخصية حرة من الداخل ترتدي ما اعتادت أن تلبسه في بيئتها وما يلائم عمرها وجسدها، ولم أشر إلى أنها تعمدت إبراز مفاتنها، كما أنني ذكرت بأن الانتقادات التي تعرضت لها لم تكن من المحيط أو من أهل المنطقة وإنما من بعض صغار النفوس ولأسباب تخصهم.
لا أعرف لماذا لم يشعر الأستاذ زهير بمعاناة محار واحساسها بالغربة عن أهلها وعن بيئتها لا سيما عندما تقول (كان يحدث أحياناً أن يخرج الجميع من المكتب فأبقى لوحدي أقف على النافذة الوحيدة التي تطل على اللاشيء، على مدى عار إلا من شجيرات قزمة القامة، تنتمي لفصيلة العرعر، لقد صار البحر وأمواجه وألوانه بعيداً، بعيداً جداً ). ص 31.
ويقول الأستاذ زهير في دراسته أن الكاتبة (قامت في محاولة لرصد الفساد الإداري والمالي في شركتها لكنها لم تتمكن من الغوص المطلوب مكتفية في التلميحات السريعة ولم تمثل الحياة الواقعية بحد ذاتها، وأن الرواية المتيقظة ترفض أن تفعل ذلك لكي لا تأتي مخنوقة).
ولم أفهم ماذا يقصد بهذه المصطلحات (مخنوقة )، و(متيقظة).
كأن الأستاذ زهير لم يقرأ العديد من صفحات الرواية التي ذكرت فيها بأن مدير الشركة يبني لنفسه فللّا تكلف الشركة ملايين الليرات ويرفض الاستمرار بالسكن في منزل المدير السابق الذي يشبه باقي بيوت المدينة السكنية، ثم يصنع ثمانية خزانات من الألمنيوم الممتاز يملؤها بالمياه العذبة النقية لتستحم بها زوجته في حين بقية القاطنين في المدينة يعانون من تلوث المياه وهو غير مهتم.
ذكرت أنه يرفض أن يحل مشكلة العمال على الحفارات الذين يتناولون طعامهم بشروط غير صحية لأن الطعام يؤخذ لهم بأكياس من النايلون وهو يرفض طلبهم بتأمين مطعم متنقل.
ذكرت أنه يقوم بتعيين موظفة بعقد وهمي في الإدارة ثم يفرغها لتعمل في منزله الخاص كخادمة.
ذكرت أنه يشطب من مهمة السفر لطبيب الشركة بحجة التوفير لوقود الدولة، لكنه يبعث مع زوجته سائق وسيارة ودفتر قسائم بنزين لمدة ثلاثة أشهر (العطلة الصيفية).
ذكرت أيضاً أن المسؤول الإداري يعقد صفقات على مواد تموينية فاسدة ويضع فارق السعر في جيبه، والنتيجة العبث بأرواح العمال.
تحدثت عن الشخصنة في العمل وعن السلبطة في الوظيفة، وكل ذلك على لسان العديد من الشخصيات وليس عبر ضمير الأنا الذي يقول الأستاذ زهير أنها احتلت صفحات العمل، ولا أعرف كيف يريد أن يكون الغوص في الحديث عن الفساد أكثر من هذا !!
وملاحظته الأخرى حول طغيان مفردات الحب والملابس والوصف والاستعراض وتبادل الهدايا والحلويات على البعد التشكيلي ؟
أقول بأن قصة الحب بين محار وورد لم تكن طاغية على العمل، ولم يكن هناك أي استعراض أو وصف او شيء من هذا القبيل وإنما جاءت قصة الحب بشكل عفوي، وبالنسبة لتبادل الهدايا والحلويات فكان ذلك لمرة واحدة عندما حملت محار حلويات (الكليجة) التي تختص بها الحسكة إلى خالتها في اللاذقية، والتي ردت بمثلها، وهذا خلال صفحات الرواية التي تبلغ 170، فأين هو التبادل الذي طغى على النص ؟!
في النهاية أود أن أقول بأننا نطالب من يرغب بتقييم أعمالنا ككتاب أن يقرأها بتمهل وعمق ليأتي الحكم موضوعياً بعيداً عن تضليل القارئ.