فيها عبقرية متعددة الجوانب عنوانها «الأرانب لا تموت» ترجمتها عن الرومانية لور هينكل الى الفرنسية وصدرت منذ أيام عن دار شامبون.
وسافاتي بوستوفوا هو شاعر قبل أن يصبح راهبا وكاهنا يمضي أوقاته في الدير بين عبادة الخالق ونظم القصيد.
هذا الراهب المتعدد المواهب والذي صدرت له عدة مجموعات شعرية قضى طفولته في مسقط رأسه «مولدافيا» السوفييتية الهوية والتي تقع جنوب غرب الاتحاد السوفييتي سابقاً وتعتبر من أجمل بقاع دول المنظومة الاشتراكية كما كانت تسمى، وخلال تلك المرحلة من طفولة هذا الشاعر كانت قصص أبطال الحربين العالميتين تدرس في مدارس دول المنظومة الاشتراكية لتشكل تلك البطولات اساطير القرن العشرين.بطولات تغنى بها الشعراء والروائيون لينضم اليهم اليوم هذا الراهب الذي وجدت قصائده ورواياته المكتوبة باللغة الملدوفية صدى في نفوس الأوروبيين في الغرب وكان سافاتي قد حصل على عدة جوائز أدبية وطنية.
ففي رائعته «الأرانب لا تموت» يتحدث سافاتي على لسان طفل لم يتجاوز سن التاسعة فيستعيد ذكريات طفولته أيام الحكم الشيوعي الذي زود دول المنظومة الاشتراكية سابقا بأمجاد توجت أوروبا الشرقية وخرجت دولها قوية متحدة اثر انتصار تلك الدول على دول المحور خاصة النازية وهاهو بطل الرواية ساشا يساعد أسرته في المزرعة ويتبوأ في مدرسته دول الزعامة على اقرانه خلال الاحتفالات الوطنية الكبرى عندما كان يقام الاحتفال السنوي والتكريم لطليعة ثورة أوكتوبر وجنود الحرب الكبرى ولانصار مناهضي الفاشية في ذكرى تلك الانتصارات.
ويسعى ساشا الصغير لكسب رضا واعجاب رفيقته سونيا الى جانب اجتهاده وسعيه لفهم سير الكواكب واستيعاب دوران الكرة الأرضية حيث كانت ابتسامات الأطفال مركز اهتمام الدولة في مولدافيا الثمانينات وكان هدف الطلاب يومئذ هو استحقاق المنديل الأحمر وكما هو ساشا كان طموح الطفل سافاتي أيام برجينيف يتمحور حول الكتابة والادب لذلك تبدأ الرواية مع ذكرى ميلاد ثورة أوكتوبر ففي ذلك اليوم صعدت البالونات الملونة التي حملها الأطفال احتفالا بتلك الذكرى الى السماء الحافلة بالانتصارات،غير أن هدف ساشا كان المنديل الأحمر الذي يخلد حامله في تلك الحقبة السوفييتية أسوة بشهداء أوكتوبر الذين ضحوا بحياتهم للدفاع عن الوطن الأم ضد الألمان النازيين.
كان ساشا يقطن في الريف حيث تقوم المعلمة بتروفنا ذات الضمير الحي بتدريسهم, كما تقوم الرواية على شخصيات اخرى مثل والد ساشا المدعو نيكولاي الذي يبحث في الغابة عن أخشاب الاشجار العالية لتشييد اطول سلالم في العالم.
ويتساءل ساشا عندما يشاهد تلك السلالم هل سينزل الله على تلك السلالم الى الأرض فقد كان الطفل يعتقد أن رب العالمين موجود في الغابة ولذا فهو مطمئن كما كان ساشا يطرح أسئلة أثناء درس الجغرافية مثل: من يدير الكواكب والمجرات كي لاتسقط كذلك هل يقفز الديك الأحمر في الباحة عند سماعه صوت الرعد ؟
وتتخلل الرواية حوارات مع حرس الغابة الذي يضع فوق رأسه رباطا من جلد الأرنب وتذكره تلك الأسئلة التي يطرحها البطل برواية « أليس في بلاد العجائب» أيضا بمسرح يونيسكو.
أما الفتاة صوفيا احدى ابطال الرواية فتقوم بنزهة في حقل من السنابل وهي تعتلي كتفي والدها.
يرى النقاد في رواية «الأرانب لا تموت» رائعة ادبية و مأساة شاعرية ففي كلمات الراهب باستوفوا عشرات المعاني وفي عالمه أنوار وصوفية ظهرت في الاشتراكية التي كانت شعار دول أوروبا الشرقية.
واليوم يدير هذا الشاعر الراهب دار نشر ومجلة روحية أرثوذوكسية الى جانب تعليمه فن صناعة الأيقونات في المدرسة اللاهوتية كما أنه يستعد لنشر رواية جديدة ينتظرها النقاد بفارغ الصبر ليس فقط في رومانيا انما في روسيا وبلدان أوروبية أخرى.