تلك هي الحال في شمال غرب سورية حيث بموجب اتفاق عام 2018 مع روسيا أُلزمت تركيا بالحفاظ على منطقة (وقف التصعيد)، لكن أنقرة لم تفِ بما تعهدت به، وتركت الحبل على الغارب للمجموعات الإرهابية بشن اعتداءات متوالية ضد المدنيين السوريين في مدينة حلب وغيرها من المناطق التابعة للحكومة السورية.
واستمرت الانتهاكات الخطرة لاتفاقية (وقف التصعيد) رغم السماح للقوات العسكرية التركية بالمراقبة في 12 مركزاً يقع على الأراضي السورية، ولكن هذا الإجراء جرى استغلاله مرة تلو الأخرى. إذ لم يلجم الأتراك المجموعات الإرهابية التي ما انفكت تطلق قذائفها وهجماتها العسكرية دون أن تلقى أي رداع. إلا أنه منذ نهاية العام الفائت، تحرك الجيش السوري لسحق المسلحين في آخر معقل لهم شمال غرب سورية.
تعلن روسيا، حليفة سورية، أنها تؤازر حق هذا البلد في اجتثاث المجموعات الإرهابية كافة على أراضيها، ومنها الفصيل الإرهابي الرئيسي المتمثل بجبهة النصرة المحظورة دولياً. لذلك فلدى الدولة السورية كل الحق في ملاحقة مثل هذه المجموعات بموجب قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي.
في مطلع هذا الأسبوع كشف مصدر عسكري دبلوماسي أن أنقرة تزود مجموعات إرهابية في سورية بالأسلحة التي تقع غالباً في أيدي جبهة النصرة بعد عبورها الحدود.
ولطالما أعلنت الحكومة السورية ومراقبون آخرون ذلك الأمر منذ زمن بعيد، ولا سيما أن تركيا ليست حكماً في النزاع، بل إنها في واقعها تشكل خصماً من خلال رعايتها السرية للمسلحين ضد الدولة السورية.
باتت الحرب التي دامت تسعة أعوام قاب قوسين أو أدنى من نهايتها، إذ اقترب الجيش السوري وحليفه الروسي من مواقع فلول المجموعات الإرهابية في شمال غرب سورية، وتمكن الجيش السوري هذا الأسبوع من تحرير مناطق شاسعة من ريف حلب الأمر الذي حال دون قصف المجموعات الإرهابية للمناطق المدنية.
ومع ذلك، تشكل نهاية اللعبة أيضاً وضعاً محفوفاً بالمخاطر يتمثل في احتمال تصعيد النزاع الدولي. ولا سيما بعد أن قام الرئيس التركي مؤخراً باستعراض عضلاته أمام سورية وروسيا، قائلاً إن قواته ستهاجم الطائرات السورية والروسية إذا لم تتراجع سورية عن حربها ضد المجموعات الإرهابية. ويبدو أن مقتل عشرات الجنود الأتراك في وقت سابق من هذا الشهر بنيران الجيش السوري قد أثار حفيظة أنقرة بدرجة أكبر، وجعل المسؤولون الأتراك يجاهرون بادعائهم أنهم سيعمدون إلى قصف مواقع سورية انتقاماً لما جرى، وبشكل واضح لا لبس فيه ولا غموض، تعمل تركيا كمدافع عن المجموعات الإرهابية.
وقد توجه مسؤولون أتراك إلى موسكو في محاولة للتوصل إلى وقف إطلاق النار، ويبدو أن ثمة تواصل هاتفي بين أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
بيد أن أردوغان ما فتئ يردد ذات النغمة المشروخة، إذ أخذت أنقرة تطلق تهديداتها باتخاذ المزيد من الإجراءات القتالية في حال لم يتراجع الجيش السوري، ويبدو أن الرئيس التركي منغمس في خدعة كبيرة، وخاصة أن بلاده تحظى بالدعم القوي من واشنطن، وقد جاء في عناوين وسائل الإعلام التركية قبل أسبوع: (ترامب يشكر أردوغان لتفاديه كارثة في إدلب)، ولا شك أن ذلك تشويه وتزييف لما يحدث في سورية، لكنه بذات الوقت يظهر وقوف واشنطن إلى جانب أنقرة، خاصة في ضوء ما أعرب عنه الرئيس الأميركي لأردوغان من رغبة تحدوه في إنهاء روسيا دعمها العسكري لسورية.
بيد أن الكرملين استنكر هذا التدخل من قبل واشنطن وقال إنه سيظل ثابتاً على موقفه في دعم حق سورية في محاربة الإرهاب على أراضيها. ولكون تركيا عضواً في تحالف الناتو العسكري، ووفقاً لبند الدفاع المشترك، طلبت أنقرة مساعدة الولايات المتحدة وأعضاء آخرين في التحالف فيما يتعلق بالوضع في سورية، ولو جرى وحدث ذلك، فإن الحرب على سورية ستأخذ منحى دولياً من المخاطر الهائلة. في ظل ما نشهده من استمرار أردوغان بإطلاق تهديداته ضد سورية وروسيا.
وهنا لا بد لنا أن نستذكر أن أساس الحرب في سورية كان سببها التدخل الأجنبي، إذ أجج أعضاء الناتو، ومنهم الولايات المتحدة وتركيا، الحرب من خلال رعايتهم السرية لمجموعات إرهابية رغم ادعاء مسؤوليهم بمحاربة الإرهاب.
لا ريب أن الحرب ستضع أوزارها عندما تلتزم القوى الأجنبية التي دخلت سورية بشكل غير قانوني وتسحب قواتها بما فيها الأفراد والطائرات والقواعد العسكرية وعملاء المخابرات المركزية ونظرائهم الأتراك. ولا شك أن تركيا وشركاءها في الناتو على علم تام أن اللعبة قد انتهت، وفشلت مؤامرة تدمير سورية، لكن ثمة أمراً يخشونه جميعاً يتمثل في انتقال المجموعات التي زرعوها في سورية إلى تركيا، مثل السرطان، ومن ثم انتقالهم بشكل جماعي إلى دول أعضاء في الناتو.
يعتقد أردوغان المتغطرس أنه يجب على سورية التسامح مع هؤلاء المجرمين على أرضها. بينما يعلن تهديداته المتهورة بالتصعيد لمنع الجيش السوري من إنهاء مهمته في تحرير بلاده من مأساة فرضتها تركيا والناتو على الشعب السوري. وإزاء ذلك، ينبغي على سورية وروسيا كشف خداع أردوغان وردعه عما يزمع القيام به.