تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


همس الحجارة

إضاءات
الخميس 23-5-2019
شهناز فاكوش

نسمع ونحس كل ما على الأرض من أصوات، مطلقاً أم صدى أو همساً. كما للناس أصوات، لكل الكائنات الحية أصوات.

للشجر أصوات وللحجارة صوتها، كم خَزَّنَتْ أحجار وطني من أسرار، في حرب صار لنا فيها حكايا تعشقت مع كل ذرة تراب.‏

كم احتضنت صخور الأرصفة من حكايا الشهداء الأبرياء كم اختزنت أحجارُ رفاتهم من قصص الهمجية التي طالت أرواحهم، ضاربة بالأقدار التراب وحجارة الجدران كم صرخت حيطان الأزقة بنقائها، أن في جوف الزقاق إرهابيين قتلة هلمّوا إليهم.‏

كم حمت حجارة ساحات المعارك أبناء الجيش العربي السوري، وهم يتحصنون بين مصفوفاتها، تدرأ عنهم قذائف الإرهابيين ورصاص الموت، ويرصدون من بين ثغورها تحركات القتلة، كم خَزَّنَتْ حجارة بيوت هُجِرَتْ قصصَ وذكريات مغادريها‏

كم حملت الحجارة بيد أطفال فلسطين من حكايا النضال ضد المحتل الصهيوني، كم وكم من دروس ومشاهد احتضنتها حجارة البلدان التي طالتها نار الحروب، والربيع المشؤوم، وكم من رواية حب حفرت عليها، كم من عيون تحجرت واشتدت قسوتها.‏

كم شهدت حجارة الوطن من مشاهد تفطرت منها، كما تتفطر القلوب في الصدور، وهي تشهد أطفالاً غُسلت أدمغتهم وعميت بصائرهم؛ وصولاً لتنفيذهم جزِّ الأعناق، كم حملت أحجار جنين وقانا ورمال شواطئ غزة من حكايا همجيةِ بني صهيون.‏

أحجار سورية العتيقة حفظت تاريخ وطن، تناوبت عليه صنوف أعداء، لم يشهد التاريخ لها مثيلاً، كل حرب في العالم كانت الأرض السورية جزءاً من صيرورتها، حجارة الوطن ما زالت صنوان مع أبناء سورية في مقارعة العدو على مدى التاريخ.‏

الحرب الأخيرة على سورية، مكنت الجيش العربي السوري من اكتساب خبرات قتالية؛ جعلته من أخطر الجيوش التي يحسب لها ألف حساب، فأثمانها كانت باهظة وأكلافها ذات قيمة عالية مدفوعة من أرواح شهداء، وأجساد أحياء، ودموع ثكالى.‏

كل شيء في زمن الدمار فقد الكثير من قيمه، إن في المعارك أو على الطاولات الخفيضة، ها هو أردوغان يحنث بوعوده بل يساعد في دعم الإرهابيين على أرض إدلب الجريحة.. الحجارة وحدها حافظة للقيم شاهدة على فقدانها بين البشر.‏

حجارة أمريكا تشهد على هدر قيم أهلها الأصليين، وضياع البوصلة الأخلاقية، أمام القيم المعدلة وراثياً، حيث الخليط المزدحم بين الأعراق والأجناس المضادة، ما أفرز حقداً وعنصرية، وأنتج حُبَّ شرب الدماء لبناء حضارة هجينة على جماجم الأحرار.‏

لو أنصت لهمس الحجارة في وطني، لألفيت التناقض بين قيمتي التدمير التي سعى إليها الواقعون في حضيض التطرف أصحاب الأفكار الهدامة، وإرادة قيمة التعمير التي يحملها أصحاب الفكر النوراني، والذين لا يعدمون وسائل إعلاء القيم السامية.‏

ستظل سورية الغالية أميرة الحكايات في قيامة الوطن، التي تستعصي ذوائبها على مقص الساحرة الشريرة، رغم الطرح الفاسد الذي أصابها كما يصيب الزرع الطيب فيقضي عليه، الأيدي الصابرة القابضة على الزناد، هي الكي لداء الأيدي العابرة.‏

ارتفع علم الوطن على أعلى حجارة نهضت من وجيف الشوق في مواطن التحرير لتبوح بسرها المقدس، وهي تتنشق عبق الحرية من عيونه الزمردية، تعلن على مدى الذرى والسهول، أَنْ تكسَّرت نصال البرابرة التي حاولت تقطيع أوصالها وشرايينها‏

كما ارتفعت العيون الخضر على كامل مواطن التحرير، سترتفع في إدلب وباقي التراب المحتل، للقضاء على كل الذين حاولوا وداعميهم اكتساح أسباب حياتنا لتدمير الدولة التي قارعتهم في سني حريتها، وهي ترسم اليوم ملامح العالم من جديد‏

الربيع الطيب يعود ليطلق جناحيه ملقياً دفء تحيته على الأرض المقدسة، سورية التي تجدد ذاتها، وتنتعش من جديد خارجة من العناية المركزة، مقاومة بجسدها اليباس والموت ــ اللذين أرادوا بهما إنهاء حياتهاــ لتبقى أسطورة لا مجرد ذكريات.‏

كل حجر في سورية لو أنصت المرء إليه لقصَّ له ملحمة في الصمود والنضال، وكل ذرة تراب قادرة على الهمس في أذن المنصت، بحكاية نادرة أو قصة عن غربة طير، اشتاق لعشه المبني على غصن شجرة فارعة رشفت من ينبوع النصر.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية