وحين تتجمع تلك التفاصيل إلى بعضها تتشكّل لوحة يومية.. غالباً ما ستكون مشحونة بوجع مختلف شرائح المجتمع السوري في يوميات الحرب أو الأزمة.. أو ما بعدهما.. أو هكذا يراد لهذه التفاصيل أن تكون.. مشغولة بأمنيات الـ(ما بعد)..
هل وصلنا فعلياً إلى هذا الـ(ما بعد)..؟
كتوطئة تلخص ما يمكن أن يأتي تالياً، تُكثّف كل حلقة من حلقات مسلسل «مسافة أمان» مجرياتها عبر مقدّمة تأتي بصوت الممثلة شكران مرتجى «الراوية».. وكما لو أنها تمهّد لما يأتي لاحقاً، أو هي أسلوبية استخدمها النص، الذي كتبته إيمان السعيد، كنوع من التكثيف المعتمد بإبراز ذاك العنوان العريض الذي من الممكن أن تسير تفاصيل الحلقة ضمنه..
كأن تتحدث في إحدى المرات عن معنى «القلق».. أو «الخوف».. «الانتظار».. «الخذلان».. وغيرها من مفردات ينوء بحملها شخوص العمل.. هكذا يبدو الفعل منزاحاً في بعض الأحيان لصالح تعليق أي تصرّف خارجي تقوم به الشخصية المحبوسة ضمن صرخاتها الداخلية.. وبالتالي ما يتميّز به العمل محاولته تظهير دواخل شخصياته.. وهو ما يدفع إلى الإحساس في بعضٍ من مفاصل حكايته إلى كون الشخصية لا تؤدي أي فعل.. على هذا النحو يصبح «اللافعل» بحد ذاته «فعلاً».. يُنسج نوعٌ دراميٌ بحاله وفق مبدئه.. كان للدراما السورية محاولات عديدة كرّسته كنوع اجتماعي يلتصق بتفاصيل العيش اليومية.
في «مسافة أمان» إخراج المميز الليث حجو، ثمة حكايا شخصيات عدة، تتقاطع في محاولتها تحصيل «مسافة أمانها» الخاصة.. لكن دون أن تتساءل أي من تلك الشخصيات الحائرة والمنغلقة في زوبعة فرديتها، إن كان أمانها يتحصّل ويتقاطع مع أمان الآخر..
ربما هذا ما تجعلنا الحرب عليه.. مشغولين بحالنا الفردية..
بالطبع ترتبط مصائر البعض مع بعضهم الآخر.. وفق مبدأ مصادفات الحياة الذي يجرّ مجريات الحكايا التي تتصادى تحقيقاً ووصولاً لذروة الحدث/الأحداث.. وفي حمى البحث عن مسافات الأمان التي تترقبها الشخصيات تبقى أسيرة حصول معجزة الانفراج.. كأن يحصل لمّ الشمل في حالة «سراب، كاريس بشار»، أو أن تتمكّن «نهاد، نادين خير بك» من إنجاب طفلها الذي تنتظره.. أو تتمكّن عائلة «صبا، هيا مرعشلي» من معرفة أي خبر عن أخيها المفقود.. وأن تتخلّص «نور، حلا رجب» من إثم الحب (الجنين) الذي التصق بها من شخص اكتشفت متأخرة حجم انخداعها به.. وغيرها من حكايا أخرى فرعية تصطف إلى بعضها لتكوّن عموم اللوحة التي يحاول العمل صيد تفاصيلها بعين حسّاسة التقطت نقطة تقاطع تجتمع إليها كل التفريعات المروية أمامنا..
ولأن المايسترو «الليث حجو» يتقن لمّ مختلف أركان الحكاية التي يشتغل عليها بضبطه إيقاعات جميع الممثلين الذين يتعامل معهم.. يغتني «مسافة أمان» بأداءات منوّعة.. متعددة.. لن نذكر منها أداء أسمائه الكبيرة، ذلك أن البصمة الأهم على صعيد الحضور اللافت تتمثّل بمن لم نعتد عليه بهذا الكم الهائل من الصمت التراجيدي المعبّر من خلال الوجه الذي اتقنه «جرجس جبارة»، بالإضافة إلى أداء مميز أقرب إلى الصامت أيضاً تمثل بحضورالشاب الذي أدّى دور «كنان».. دون نسيان الحضور الفارق لإيهاب شعبان بدور «مروان» والذي يهيئ لموهبة يمكن لها أن تقدّم أدوار البطولة "لاحقاً.
lamisali25@yahoo.com