تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


«بطريقـــك» ..مبـــادرة مجتمعيــة تبــرز روح التكافـــل

مجتمع
الخميس23-5-2019
غصون سليمان

من أكثر إبداعات السوريين روعة ونكهة حين يستثمرون لحظات الضيق والوجع بأبسط الأفكار،ويسوقونها كحل اسعافي يساهم في تخفيف الضغط على العباد..

عشرات بل مئات من المبادرات التي واكبت مسار طارئ من عمر الوجع السوري ملامسة فيه ما يناسب فعله ..مؤخرا ابتدع بعض شبابنا مبادرة جميلة اطلقوا عليها تسمية «بطريقك» والتي ترافقت مع أزمة المحروقات حيث كان لها تأثير إيجابي ولفتة في محلها على بعض الخطوط التي عمل نشطاء الحملة على تنفيذها ..‏

«بطريقك» ليس عنوان لكتاب بالتأكيد أو فيلم سينمائي هي واقع ملموس بتفاصيل محلية هدفها الإنسان الذي ضاقت به السبل في ظل تداعيات حرب عدوانية جائرة سلبت منا خيارات الرفاهية بأبسط الحقوق،وضغطت على أعصابنا في أكثر الأوقات حرجا.‏

«بطريقك» هو سلوك يومي يمارسه الكثير من السوريين والسوريات دون إذن مسبق من أحد وإنما تطوعا ذاتيا تعكس مدى الغيرة الوطنية والحالة الاجتماعية التي تتشابه عند الغالبية.‏

فخلال السنوات الثمانية السابقة كنا ومازلنا نلمس ونعرف بصور ومشاهد يومية عبر زملاء وأصدقاء لم يوفروا من خلال دوامهم اليومي في طريق الذهاب والإياب اي شخص طلب الانتقال من مكان الى اخر ضمن العاصمة دمشق إلا ووجد ضالته .‏

الحملة التي أطلقها مجموعة من الناشطين السوريين على فيسبوك والتي حملت اسم بالمواصلات بعد ازمة البنزين كان هدفها عرض خدمات من قبل أصحاب السيارات ومن يمتلكون وسائل نقل خاصة أو عامة على الناس المتواجدين في كل مكان.وإن كان بعض هؤلاء يفضل السير مشيا على الأقدام إلى أن يجد ضالته في وسيلة نقل ، والبعض الآخر من كبار السن أوممن يعانون وضعا صحيا لا طاقة له على مغامرة المشي ..فينتظرون أولاد الحلال ممن يحسون بوجع الآخر.‏

الجميل في حملة «بطريقك»تلك الروح الرياضية التي تمتع بها بعض المشاركين في الحملة حيث أشار محمد الدرويش الذي ساهم بتقديم خدمات التوصيل المجانية بسيارته الخاصة لما يقارب 12 شخصا،فبرأيه..نحن أبناء بلد واحد وعلينا مساعدة بعضنا البعض..لافتا ان ذلك لم يكلفه لا وقتا ولا مالا ولا أي شيء آخر سوى رسم السعادة على وجوه أنهكها التعب والانتظار .‏

أما الهدف الاجتماعي برأي زهراء روماني من فريق الحملة هو ترميم بعض الشروخ الاجتماعية التي حصلت بين السوريين وتخطي جدار الخوف الذي سببه الإرهاب بأشكاله المختلفة..‏

محمد خالد سائق تاكسي يؤكد أنه ورغم انتظاره الطويل على الدور كي يحصل على مستحقاته من المحروقات،إلا أنه لم يزد قرشا واحدا على العداد من أي زبون يصعد معه ،وأحيانا كثيرة يأخذ اقل من التسعيرة..وحين سألته إن كان هذا السلوك يناسبه ماديا ..قال بالحرف انا موظف ومن ذوي الدخل المحدود وأعمل بعد الظهر على التاكسي والغاية ليست الربح بقدر ما هي سد الرمق والكفاف ، مشيرا بعبارة -الله يعين العالم -بمعنى يجب عدم استغلال المواطن الذي بات يلهث وراء المواصلات ولقمة العيش وتأمين أجرة الدروس الخصوصية لأبنائه إن لم يكن معيلا لأهله أيضا..محمد خالد هذا هو نموذج للعشرات ممن تغمرهم الرأفة والرحمة بالعباد ، «فلو خلت بلت»على قول المثل..‏

ونحن بدورنا نقول ومن باب الأمانة إن كثيرا من سائقي المركبات الخاصة والعاملين في الدولة حين كنا نقف على المفارق خلال السنوات العجاف الماضية كانوا يعرضون خدماتهم بعبارة ،»أخي ، أختي لوين طريقكم ،انا طريقي للمكان الفلاني «..وفي أكثر الحالات كنا نستجيب بالوصول الى اقرب نقطة لعملنا ..‏

هي صور ومشاهد إنسانية عكستها حالة الغيرية والإحساس بالآخر الذي يجسد النسيج الإجتماعي السوري، بغض النظر عن فقد الثقة والخوف حين كثر الخطف والأساليب الملتوية ما جعل الناس تنكفئ قليلا عن تقديم اي مساعدة مجانية من هذا النوع .‏

لكن سرعان ما عادت بعد اختبار عسير متعدد الأشكال والألوان لتؤكد أن الأصيل يبقى أصيلا ، والمروءة تتقد في أهلها ، وعند الشدائد تمتحن القلوب والنفوس والجيوب .‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية