ولكن هاهي أشهر خمسون قد مضت على هذه الحرب المجنونة دون أن تحقق أياً من أهدافها المعلنة باستثناء زيادة عدد الضحايا الأبرياء وتوسيع رقعة الدمار والتشريد والتجويع والأوبئة والأمراض في اليمن، في حين لا يزال السعوديون وشركاؤهم في هذا التحالف العدواني يتخبطون ويصرخون ويتلقون الضربة تلو الضربة من قبل أبطال الشعب اليمني، ويقينا لولا الدعم الأميركي والصهيوني والغربي لهذا النظام المجرم في حربه الظالمة على اليمن لكان أبطال الجيش اليمني واللجان الشعبية يتبخترون بأسلحتهم العادية والبسيطة في عقر دار الوهابية بالرياض بعد أن فرّ منها وخلت شوارعها وقصورها من جنرالات الحرب المزعومين.
من كان يصدق أن بلداً فقيراً ومحاصراً مثل اليمن يعاني ما يعنيه من مشكلات اقتصادية وأوضاع صعبة، يحارب ويصمد ويقاوم كل هذه السنوات ويتصدّى لأعتى الأسلحة الأميركية ووسائل القتل والتدمير الغربية المتطورة، في حين يبدع أبناؤه وسائل جديدة للمقاومة كأن يرسلوا الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية لتضرب أهدافها بدقة على بعد مئات الكيلومترات ناشرة الرعب والخوف والهلع في قلوب من روعوا أطفال اليمن وقتلوا نساءه وشيوخه ودمّروا حضارته دون وجه حق، بحيث لم يسلم من جرائمهم شجر أو بشر أو حجر بما في ذلك مجالس العزاء والمقابر والأوابد التاريخية القديمة.
بعد خمسين شهراً من الحرب الإجرامية هاهم المعتدون يصرخون طالبين النجدة والمساعدة وكأنهم في حالة الدفاع عن النفس وبلادهم هي التي تتعرض للعدوان، ففي الوقت الذي تقوم فيه طائراتهم المعتدية وبوارجهم الحربية بالبحث عن ضحايا جدد لتقتلهم ومرافق لتدمرها في اليمن، نسمع صراخهم وعويلهم في وسائل الإعلام ويرسلون دبلوماسييهم للأمم المتحدة من أجل الشكوى وحشد الدعم الدولي بسبب صاروخ أو طائرة مسيرة قادمة من اليمن، وكأن اليمنيين هم من شنوا الحرب وهم من اعتدوا، وكأنه لا يحق لهذا الشعب المظلوم أن يدافع عن نفسه وأرضه ويرد على المعتدين انسجاماً مع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة الذي يكفل له حق مقاومة العدوان ومواجهة الاحتلال.
طوال السنوات الأربعة الماضية لم تتوقف ماكينات الإعلام السعودي عن اختراع الأكاذيب والأضاليل لتبرير عدوانهم وهمجيتهم، فمرة يدعون إعادة الشرعية للبلاد ومرة يدعون حماية الشعب اليمني من «مليشيات انقلابية» تابعة لإيران، وتارة يدعون أنهم يحاربون النفوذ الإيراني الذي يريد السيطرة على اليمن، في حين أنهم جنّدوا كل ما يستطيعون من قتلة ومرتزقة وجماعات إرهابية وشركات أمنية أجنبية مثل بلاك ووتر وغيرها لتركيع اليمنيين وكسر إرادتهم وتمرير بعض الأجندات والمشاريع الصهيوأميركية في اليمن، وفي آخر آضاليل وأكاذيب تحالف العدوان التي لا تنتهي ولا تتوقف عند حدّ، اعتراض صاروخين يمنيين كانا يحاولان استهداف مدينة مكة المكرمة حسب زعمهم، وذلك في محاولة مكشوفة ومفضوحة لتأليب الرأي العام العربي والإسلامي ضد اليمنيين وحشد المزيد من الدعم لهذه الحرب القذرة التي فشلت في تحقيق أهدافها، ولو كان باستطاعتهم لحرفوا الصاروخين عن مسارهما ليصلا إلى مكة، من أجل استغلال مكانة هذه المدينة المقدسة في قلوب ووجدان مئات ملايين العرب والمسلمين حول العالم وتجنيد من يستطيعون تجنيده في العداء لإيران بدل العدو الصهيوني الذي يحتل الأرض وينتهك الحقوق العربية، وأكثر ما يثير السخرية هو ادعاء بعض مرتزقة الإعلام الخليجي من العاملين في قنوات التضليل بأن تدمير مكة المكرمة هو مشروع إيراني زيادة في الفتنة والتحريض على دولة إسلامية تدعم القضايا العربية..!
من الواضح هنا مع انحدار خطابهم الإعلامي إلى هذا المستوى من التضليل والكذب أن كل محاولاتهم لجرّ الولايات المتحدة الأميركية لحرب على إيران قد فشلت، ومن المعيب والمخزي أنهم لم يكتشفوا بعد أن الأميركيين والغرب عموماً يريدونهم وقوداً في حروبهم في المنطقة «وأبقاراً حلوبة» لا شغل لها سوى تقديم النفط والأموال لصالح رفاهية وتقدم المجتمعات الغربية في مقابل إشعال الحروب والفتن في منطقتنا، ومن المؤسف أيضاً أنهم لم يتعلموا شيئاً من دروس المنطقة وخاصة الدروس الأميركية في العراق ودروس الكيان الصهيوني في لبنان، ومن أهمها، أن بإمكانك اتخاذ قرار الحرب ولكن ليس بإمكانك أن تضمن الفوز بها، في حين أن وجود السلاح الأحدث والأقوى في أيدي الجبناء لا يعطيهم الشرعية ولا يجعل منهم جديرين بالنصر، والأكثر غرابة ـ وهم الجيران الأقرب لليمن ـ أنهم لم يتعلموا الدرس الأهم وهو بلاد اليمن «السعيد» كانت طوال تاريخها مقبرة للغزاة والمحتلين..ومدفناً لطموحاتهم وأطماعهم..!