تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الأمن المائي العربي والتحديات

دراسات
الأربعاء 13/2/2008
علي سواحة

كثيرة هي الأخطار المحيطة والمتربصة بمستلزمات الأمن القومي العربي وكثيرة هي التحديات التي تزداد شراسة

وعدوانية للنيل من مقومات هذا الأمن القومي الذي باتت أبوابه مشرعة على مصراعيها لمهب الريح.ولعل عنصر المياه في الوطن العربي هو اليوم في طليعة الركائز الأساسية التي تجعله عرضة للضياع بل وتجعله ينذر بكارثة خلال السنوات القليلة القادمة إذا لم تتدارك الأسباب وتتخذ الاحتياطات حياله.‏

فالمنطقة العربية تعتبر عموماً من المناطق التي تعاني نقصاً حاداً في مصادر المياه وهي ستحتاج على أقل تقدير لحوالى أربعين مليار دولار على مدى السنوات العشر القادمة لمواجهة النقص الحاد في المياه ولاسيما في إمدادات المياه العذبة التي باتت تشكل إحدى المشكلات الرئيسية في وجه التنمية العربية عموماً وخاصة في عنصري السياحة والزراعة. ولهذا فالدول العربية لابد أن تنفق واحداً بالمئة من إنتاجها المحلي سنوياً لتأمين موارد كافية من المياه وخاصة في المدن الكبرى ذلك لأن المنطقة العربية فقيرة في مصادر المياه إذا ما قورنت بالمعدل الدولي المقدر بنحو 7675م.3‏

إذ تبلغ النسبة في الوطن العربي حالياً نحو 1436 متراً مكعباً ومع انتقال أعداد كبيرة من السكان, من سكان الأرياف للاستقرار في المدن والعواصم في السنوات العشر القادمة ستزداد الحاجة لاستخدامات المياه مع تغير أنماط العيش وهو ما سيزيد الأعباء على الحكومات العربية التي عليها الاستمرار في دعم المخصصات للحصول على المياه وبالتالي ستكون هذه القيمة المضافة في الحصول على المياه مرجعية لتحديد أسعار بعض المنتجات والخدمات الأساسية للمواطن العربي.‏

وحسب الدراسات فإن هذا المواطن سينفق اثنين بالمئة من دخله على الماء رغم استمرار الدعم الحكومي للأسعار ولاسيما إذا ما علمنا أن المنطقة العربية تسيطر الزراعة عليها وهي تستهلك نحو 88 بالمئة منها بينما لا يتجاوز الاستهلاك الصناعي نسبة ستة بالمئة على الرغم من أن الزراعة العربية لا تساهم سوى في عشرة بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للوطن العربي.‏

وفي الوطن العربي يعيش نحو 45 مليون شخص لا يحصلون على مصادر مياه نظيفة بسبب عدم كفاية الإمدادات معظمهم من الطبقة الفقيرة ويعيشون في المناطق النائية أو في تجمعات سكنية أكثر عرضة لانتشار الأمراض التي تنتقل عبر المياه. وهذا وحده يحول دون تحسن حياتهم الاقتصادية والاجتماعية وعلى سبيل المثال تعتبر مشكلة المياه في الأراضي الفلسطينية المحتلة أبرز مثال على ما يعانيه المواطن الفلسطيني الذي اغتصبت أرضه وسرقت المياه حتى من الأرض التي منحت له ليدفن نفسه فيها سواء في غزة أم في الضفة التي يعيش فيها حوالى نصف سكان إسرائيل لكنهم في المقابل لا يستهلكون من المياه إلا حوالى عشرة بالمئة مما يستهلكه الإسرائيليون, وفي الضفة الغربية يستخدم المستوطن الإسرائيلي ما يقارب تسعة أضعاف ما يستخدمه الفلسطيني وهذا يعني أن الفلسطينيين في غزة والضفة يعانون من أعلى مستويات نقص المياه في العالم. أما احتياجات الضفة والقطاع من المياه للاستخدامات الزراعية فالأمر أسوأ من ذلك بكثير. واعتماد المنطقة العربية عموماً على المياه يزداد كل عام مع رداءة الأحوال الجوية التي خيمت عليها وبالتالي تناقص كميات الأمطار والمخزون الجوفي العربي بشكل عام ما أدى إلى ازدياد الاعتماد على تحلية مياه البحر رغم ارتفاع تكاليفها الباهظة.‏

وقطر هي من أكثر دول المنطقة اعتماداً على تحلية مياه البحر بنسبة 98 بالمئة من حاجاتها اليومية ثم الكويت بنحو ثمانين بالمئة ثم الإمارات بستين بالمئة والبحرين بخمسين بالمئة والسعودية بأربعين بالمئة وليبيا بعشرين بالمئة. ولكن في بقية الدول العربية الأمور لا تزال مقبولة في مصادرها من المياه الجوفية والنهرية لكن رغم ذلك فهذه الدول التي تتوافر فيها مصادر المياه أكثر من عشرة بالمئة من سكانها لا يحصلون على الموارد المائية العالية الجودة.‏

إذن فمسألة المياه في الوطن العربي هي في أزمة حقيقية. فسوء الأحوال الجوية أدى إلى تراجع المخزون الجوفي وتناقص في إمدادات مياه الشرب وبالتالي أدى إلى سوء في التوزيع والاستخدامات.‏

واسرائيل لم تدخر جهداً بدورها في اتباع كل الوسائل لسرقة المياه العربية في أكبر مخزون جوفي عربي في منطقة جبل الشيخ وشمال فلسطين المحتلة وفي الجولان السوري المحتل وهي ما زالت إلى اليوم تبحث عن كل ما يتيح لها الاستيلاء على هذه المياه والاحتفاظ بها بقوة السلاح.‏

في حين لا تزال بعض الدول العربية التي تمر منها أنهار دولية كسورية والعراق ومصر والسودان تحتاج إلى اتفاقات جديدة فيما بينها وبين الدول التي تنبع منها تلك الأنهار تعطي لكل ذي حق حقه وبما يعود على الجميع بالفائدة المشتركة ووفقاً لقواعد القانون الدولي.‏

كما أن ثمة تدهورا للأمن المائي العربي لأسباب عدة أبرزها محدودية مساحة المناطق المطيرة التي لا تتجاوز عشرة بالمئة من المساحة الكلية للوطن العربي إضافة إلى اتساع مساحة التصحر وتلوث الثروة المائية بالنفايات الصناعية والزراعية والمنزلية وسوء استخدام المياه مع اتباع وسائل الري التقليدية في قطاع الزراعة الذي يستهلك القسم الأكبر من المياه وهذا كله من شأنه أن يزيد الفجوة بين كميات المياه المتاحة والكميات المطلوبة للتصنيع والزراعة وللشرب ولتوليد الطاقة, هذا إضافة إلى زيادة عدد السكان الذي يتطلب ازدياداً في كميات المياه لهم, ما يعني دخول المنطقة في أتون تحد جديد ليس أقل من أي تحد آخر, ما يتطلب عودة إلى العمل العربي المشترك وإلى العمل الجماعي العربي كي يتم تدارس ما يحيط بهذه الأمة من هموم وتحديات تستوجب الوقوف مع الذات العربية ووضع تلك الهموم في سلة واحدة يقبل الجميع على معالجتها من مبدأ الحرص على الأمن القومي العربي المشترك.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية