تبدأ الموسوعة بدراسة مهمة للمخيلة ملمحاً إلى أن المخيلة مجنونة بطبيعتها ومشوشة.
والمخيلة ربة الغلط, حسب باسكال, ومونتيني, كما باسكال عندما يتكلم عن أولئك الذين (يؤمنون لأنهم يرون ما لا يرون) يعود بنا إلى لب التصور, ويكشف لنا امتداده الكامل وفق ما تقتضيه اللغة العامة, لأننا إذا ما فهمنا هذه الكلمة حسب استعمالها, فالخيال ليس فحسب قوة تأملية في الذهن وإنما هو خصوصاً الغلط والفوضى الداخلين إلى الذهن مع اضطراب الجسد في آن واحد, وهو ما يمكن أن نراه في الخوف, حيث آثار الخيال المعروفة جداً تلتقط بداية إدراكات يقينية من الجسم بالذات,كالتشنج والرجفة والشعور بالحر والبرد وخفقان القلب والاختناق علماً بأن صور الأشياء المفترض بأنها المسببة لهذه الآثار غالباً ما تكون ضائعة الملامح كلياً, و متلاشية باستمرار, وفي باب حول الرقص والزينة تتفرع عدة فصول شائعة حول البهلوانيات, الرقصات الحربية, فن الفروسية, الرقص الغرامي, الرقص الديني, الملبس, الدارج (الموضة) حول الزينة, التهذيب, جمال الجسم الإنساني.
يذكر في فصله حول الملبس: ( من الوضح بما يكفي أن الملبس يبدل المواقف والحركات دائماً من خلال ضبطها وتعديلها, هذا أمر ظاهر للعيان خصوصاً في ملابس البذخ والأبهة, ويكفينا بهذا الصدد التذكير بالعباءات والمعاطف لحفلات التتويج الملكي والياقة العالية في الزي العسكري القديم يسعى الملبس الديني لإعطاء الجسم سكوناً لا تشنج فيه, وهو ما يعرف بصورة رئيسية في الكتفين والذراعين والرأس, فالعباءة تقف في مواجهة حركات الرأس عندما يشيل إلى الوراء, وهي الحركات التي تنقل مركز الانتباه وتسمح بهيئة التشامخ.
وفي بابه حول الشعر وحول الفصاحة تتفرع أبواب: (حول الشعر كفن لتقوية الذاكرة وحول علم السماع, حول الرثائي, التأملي, فن الإقناع, الأهواء والفصاحة).
يذكر في فصل حول الملحمي: (العمر, وتغير كل شيء, والهشاشة, والذكريات, والأطلال, والموت, هي دائماً وأبداً موضوعات كل شعر, ويمكننا أن نلاحظ بأن الشاعر كلما كانت الموضوعة مؤهلة لتوقعه في الاضطراب واليأس, بذل جهده لإيجاد إيقاع متين, ولاعتماد الأنغام المطوعة مع الجهد).
وفي بابه حول الموسيقا تأتي فصول: ( الأصوات والميلودي حول الأغاني الشعبية, الأجواق, الآلات الموسيقية, الهارموني, المحاكاة والتنويع, والحليات, التعبير الموسيقي).
وفي فصل حول المسرح: (حول التراجيدي والقدرية, الشخصيات القوية, الدراما الموسيقية, الأهواء, دروس وعبر الكوميديا, الضحك, الدموع, الإلقاء والحركة, حول التقليد الساخر والموسيقا الهزلية).
في فصل حول الدموع يذكر: (من الضروري التذكير هنا بأن انفعالاتنا تقوم على اختلاج متخبط للحركات, يمكن أن يصل لدى الخوف العظيم, أو الغضب الشديد, أو الهلع إلى حد الاختناق وبالاتجاه المضاد تتسارع خفقات القلب كما يضطرب في الوقت نفسه جريان الدم بالفعل الارتكاسي للعضلات التي تدفعه بموجات دافقة نحو الأجزاء الرخوة تقريباً دون مقاومة ألا وهي الأحشاء والرئتان والدماغ, ولا حاجة إلا للمفاجأة حتى دونما أي خطر لإحداث الانقلابات المدهشة).
وفي باب حول العمارة: (الأشكال, الإشارات, الزخرفات, المفروشات, المدن, الآلات, العمارة الشعبية).
وفي باب حول النحت نقرأ: (التقليد والنماذج, الحركة, الترميز, اللباس, العري, الأفكار, التماثيل النصفية).
وفي باب حول التصوير نقرأ: (حول المظهر, اللون, الأشكال, البورتريه, المشاعر, الموديل العاري, المنظر الطبيعي).
نقرأ في فصل ثري بالجمال حمل عنوان حول البورتريه: (البورتريه المنفذ بوسائل الرسم لا غير يمكن التعرف عليه, وحتى بمعنى ما, يمكنه أن يعيش مثلما يعيش إنسان يركض, يصارع, يتناول الحساء, أو مثل إنسان يضحك, أو يهدد, أو يغني. غير أن الرسم بطبيعته لا يحسن التقاط سوى لحظة, إيماءة, إشارة تخص ذلك الإنسان, أما البورتريه الحقيقي فيتوجه نحو غاية أبعد مدى فهو يريد التعبير عن تلاحق أفعال ومشاعر ومشاريع لكنها متجمعة مكثفة في لحظة ذكرى).
وفي باب حول النثر نقرأ: (الشعر والنثر, التاريخ, الرواية, الشخصيات, الحالات النفسية, انضباط الخيال في الرواية, مقالة في الأسلوب).
يطوف أميل شارتييه المعروف بلقب (آلان) عبر صفحات هذا الكتاب على كل ما رافق الإنسان عبر مسيرة تقدمه من نشاطات جمالية, عبر لقطات لماحة, وفرادة في التناول, شكلاً ومضموناً, بأسلوبه الفريد, أسلوب الخواطر المتدفقة بعفوية وأصالة, إلى جانب مزيج رائع من تأملات فلسفية جمالية أدبية بسيكولوجية.
الكتاب: منظومة الفنون الجميلة / الكاتب: إميل شارتييه
ترجمة: سلمان حرفوش, صادر عن دار كنعان 2008 (440 صفحة).