الحكومة على علم بأن أزمات معيشية حادة تعصف بالمواطنين, وأن هذه الأزمات راحت تتفاقم في الأشهر الأخيرة إلى أن عضت بأنيابها الجميع وآلمتهم حتى الوجع المريع..
بدءاً من تصاعد أسعار القمح الذي رفضت المؤسسة العامة للحبوب شراء أكثره هذا العام بذريعة إصابته بالعفن, وعندها قام التجار الشطار بشرائه وتحويله إلى برغل ودقيق.. تسرب بعض هذا الدقيق من المطاحن الخاصة إلى الدولة, والباقي ذهب إلى السوق وإلى خارج الوطن.. ووصل سعر كيلو الطحين في السوق المحلية الى قرابة الثلاثين ليرة ووصل سعر كيلو البرغل إلى أربعين ليرة وسعر كيلو الحنطة التي كانت من سقط القمح إلى ثلاث وعشرين ليرة.
لن أمر على أسعار الحمص والعدس والخضار والفواكه والزيوت المهدرجة والسمون المهدرجة التي تتصاعد في كل يوم, وأحب الإشارة سريعاً إلى أن زيت الزيتون الذي كنا نأمل أن يكون مصدراً للعملة الصعبة.. أصيب بالكساد لدى المزارعين لتوقف بيعه منذ العام الماضي لأن الدولة لم تسمح بالتصدير.. السؤال: كيف سيكون مستقبل مزارعي الزيتون وسورية مرشحة لأن تكون غابة زيتون كبيرة..?! هل سيحصل للزيتون ما حصل لزراعة الحمضيات من القلة إلى الوفرة ومن الوفرة إلى الكساد ومن الكساد إلى الفقر?!
كل متطلبات المواطن المعيشية ارتفعت أسعاره.. الطعام والشراب واللباس والوقود ومواد البناء وأجور اليد العاملة وأسعار العقارات.. حتى مخالفات السير أصبحت لها تسعيرة جديدة, ,لهذا حديث آخر.
سألني أحدهم:(ألا تعلم الحكومة بما يجري في السوق.. ألا تعلم أن المواطن الذي يريد أن يشعل المدفأة لأطفاله الصغار في موسم الصقيع والبرد يحتاج إلى ساعات وأحياناً إلى أيام متنقلاً من محطة وقود إلى محطة وقود.. وقد يتجمد من البرد وتصاب مفاصله بالروماتيزم أو بنزلة برد تأخذه إلى الطبيب ويجبر عندها على البقاء في المنزل وترك عمله وقد ينقل المرض إلى أفراد أسرته ولن يستطيع تأمين كالون مازوت)?!!
مسلسل كامل من الأزمات يا حكومة.. ننام على أزمة ونستيقظ على أزمة جديدة. والسؤال: كيف ولدت هذه الأزمات.. وكيف تعاملت الحكومة معها?!
هذا العام ولدت أزمة الاسمنت فجأة.. وتجارة الاسمنت في الأساس رابحة مع الدولة, ولكنها رابحة مع تجار الاسمنت في السوق السوداء أكثر.. فهل هؤلاء الأكثر أهمية...?!
نعود الى ازمة القمح, وتناقص الاحتياطي منه في وقت ارتفع فيه سعر طن القمح عالميا الى حوالي 440 دولارا ونحن كنا نشتري القمح من المزارع بحوالي مئتي دولار.. واذا كان محصول القمح هذا العام رديئا .. فإننا سنواجه مشكلة كبيرة..
ازمة المازوت انتجها الحديث عن نية الحكومة عن رفع الدعم ودفع المواطنين ومزارعي الزراعة المحمية ضريبتها قاسية.. ليت الحكومة لم تتكلم.. ليتها رفعت السعر وانتهى الامر, حديث الحكومة عن رفع الدعم جاء في الوقت غير المناسب ..ليتها رفعت الدعم تدريجيا منذ زمن طويل .. اي منذ بدأ ارتفاع سعر النفط.. لكنا اليوم من دون ازمة.. ولكن الحكومة لم تنتبه الى ذلك, ربما ارادت ترحيل الازمة الى حكومة قادمة, لكن الحكومة المرتقبة منذ زمن طويل لم تأت.. واظنها لن تأتي..
تأزم وضع الوقود كشف ان الحكومة لاتمتلك رؤيا ناضجة حول رفع الدعم عن الوقود.. وحديثها امام مجلس الشعب اوضح ذلك, وخاصة عن اعتراف الحكومة بانها لاتستطيع القضاء على التهريب .. هذا كلام خطير جدا.. صحيح ان التهريب موجود بكل دول العالم ولكن ليس عن طريق المنافذ الشرعية, لانه غيرشرعي, ماذنب المواطن السوري ان يدفع ثمن هذا التهريب, وباعتراف رئيس مجلس الوزراء ام وزير الاقتصاد اللبناني قال ان مايوفره التهريب من وقود على لبنان يقارب 330 مليون دولار.. واكثره على تركيا وربما الاردن وربما,.. وربما..
حديث وزير النفط عن الوقود من جديد خلق تصاعدا في الازمة واتمنى ان تراها الحكومة على محطات الوقود, او على الاقل ان يخبرها بها صادق محب او ان تقرأ مايكتب في الصحف السورية عنها.. قال لي احدهم انه لايقرأ الصحف السورية, وان قرأها فلايعيرها الانتباه.
اكثرا لمواطنين بخلا على نفسه وعلى اولاده لايكفي راتبه شراء نصف طعامه, والنصف الثاني من اين سيحصل عليه.. ومن اين سيدفع فاتورة الكهرباء والماء والهاتف والطبابة واللباس واجور النقل, من اين سيدفع مصاريف المدرسة والجامعة?! فلتقل الحكومةلنا من اين سيغطي المواطن الشريف مطالبه المعيشية?!..
تقرير الامم المتحدة الاخيراوضح ان نسبة الامية في الوطن العربي في تزايد, والسبب يعود الى عدم توفر القدرة لدى المواطن لتعليم اولاده.. لهذا يقوم بتحويلهم الى العمل, فهل يتسول المواطن ليرسل اولاده الى المدرسة, وماهو مستقبل متسول في مجتمع فقير?!الفقر يكمن وراء تسرب التلاميذ من المدرسة وراء تخلف المجتمع ووراء الجرائم والتهريب والمخدرات والفساد الاخلاقي ويسمح لقوى معادية ان تستغل فقر الناس في الاساءة الى الوطن.