في فرنسا مثلاً هناك
ورشات كتابة تقترح على نخب في التعليم الخاص التعليم او التدريب على فن الرواية لكن ما يسمى ب(جمهورية الآداب) لا تعترف بهذا البرنامج التعليمي .
في الواقع هناك مفهومان متجابهان حول الكتابة .. هل الكتابة هي موهبة إلهية أم هي مهارة يمكن لأي شخص ان يتعلمها?وهل يستطيع أي منا ان يصبح كاتباًَ?..
حول هذا السؤال تختلف الآراء بين اهل القلم وتتباعد فمنهم من يشدد على البعد المهني لفن الكتابة ومنهم من يرفع شعار الموهبة.. ويحتدم الجدل بين أصحاب الرؤية الارستقراطية للفنان الموروثة من الرومانسية وبين المدافعين عما يعتبرونه مفهوماً ديمقراطياً لرؤية الكاتب المعتبر صاحب مهنة كأي حرفي آخر. ولكل طرف في الخلاف آراء تدعم نقاشه الأدبي فمثلاً الكاتب والناقد فيليب سولير يؤكد ان ( الكاتب يولد في مهده كاتباً) ويعتبر ان تسمية الورشة هي بالأساس تسمية مشبوهة, بينما يدحض رأيه كتاب من الطرف الآخر بالقول إن (كل منا يحمل في اعماقه كتاباً) والكتابة هي قبل كل شيء برهان لقدرتنا على تفجير ( المنجم الكامن فينا).. ويؤكد القائمون على ورشات الكتابة هذه ان كل فرد لديه اسلوبه الخاص به وإن انكب على العمل بضعة اشهر فهو يستطيع ان يحول هذا الاسلوب الكامن الى واقع ملموس. اما الجامعيون الذين يأسفون على ضعف هذا التيار في الانتاج الادبي يدعون الى منع هؤلاء الناس من الكتابة ويؤكد أحد المدافعين عنهم بأنه قد نستطيع الكتابة لكن الحكم في ذلك يعود الى الجمهور وللناشرين , فالكاتب الحق هو الذي يشد الناس الى قراءة ما يكتب. وتقول كلير دولانوا من باناما بأنه قد نستطيع ان نعطي بضعة مفاتيح للمؤلف, لكن ان لم يكن لديه مفتاحه الخاص به فإن ذلك لا ينفعه بشيء.
وتتضافر مع هذا النقاش الدعوة لتعلم لغة الكتابة وذلك بتعلم قواعدها أولاً ثم استخداماتها,وهناك من يدعو بكل جدية الى العمل لايجاد معاهد للكتابة على غرار المعاهد الفنية التي يدرس فيها الموسيقا او الرقص, وآخرون يدعون الى تدريس القراءة فهي الوسيلة الافضل لتنمية الفكر الكتابي ويندهش البعض لقول فريق آخر بأننا نكتب لكن ليس لدينا وقت للكتابة.
استاذة من جامعة السوربون تقول: إنه في مهنة الكتابة يجب علينا قبل كل شيء ان نمر عبر الآخرين وتذكرنا بأن الفنان المشهور ماتيس اشاد يوماً بأستاذه غوستاف مورو الذي كان يقود طلابه الى متحف اللوفر كي يقلدوا لوحات الكبار من أجل ان يتعلموا الرسم لكن للتقليد حدود يجب الوقوف عنها.
الكتابة قبل كل شيء هي ان نبتدع لغة غريبة من خلال اللغة الأم لغة خاصة بنا لم يكتبها أحد من قبل رغم انه لا يوجد كاتب جيد إلا وتشده قريحة كتاب آخرين.
وليم فولكنير انصرف في مرحلة شبابه عدة اشهر الى تحليل الاعمال الادبية الكبرى لكنه وجد ان لا جدوى كبيرة من ذلك فتوقف عن القراءة واهتم بتحليل نصوصه كي يبتدع اسلوباً خاصاً به يقول: لكي تكتب عليك ان تقرأ ويضيف: ولكي تستطيع القراءة عليك ان تعلم كيف تعيش لأن القراءة} ليست في الكتب فقط بل على الكاتب ان يفك رموز العالم وان يدخل اليه بجميع حواسه بما فيهم الحاسة السادسة.
ويبقى ان نسأل ماذا يفعلون في هذه الورشات, يقول جون ايفرينك الذي انتسب الى هذه الورشات فترة زمنية : إنها ساعدته على اكتشاف نفسه مبكراً, كما ان الورشة تساعد الكتاب الشباب على معرفة قراءة نصوصهم بالذات من اجل تصحيحها ولو اتبع بروست دورة في هذه الورشات لعمل على تقصير جمله.
بالنتيجة نستطيع القول إن الفردية تسيطر على عالم الادب في فرنسا ولم يكن الامر كذلك من قبل فقد كانت هناك الصالونات الادبية والجمعيات الموسوعية التي عرفت باسم البلياد حتى مع نشوء التيارات السريالية التي كان لها تجمعاتها , وكان كل تيار إما ان يستوحي من الجيل الذي سبقه او ان يهاجمه.
على ان الانسجام بين ورشات الكتابة والثقافة يتباين من بلد لآخر-فمع الثقافة الفرنسية لم يحصل هذا الانسجام كما حصل مع ثقافة امريكا الشمالية-لكن شكل من اشكال المصاحبة بين الكاتب المحترف والكاتب الناشىء لا بد منه لتجديد الابداع..
فالمحترف يستطيع على الاقل ومن موقعه المتقدم ان يخبر الناشىء ما الذي فعله حتى وصل الى هذا الموقع .