كان شبه مجهول, لا يكاد الناس يعرفون عنه شيئاً . بل انهم كانوا يستمعون الى ألحانه الجميلة, ولا يعرفون أنها من ابداعه ذلك ان الفنان محسن عاش سنوات حياته الاخيرة منذ عودته من لبنان منطوياً على نفسه, منعزلاً عن الناس في منزله,حتى انه لم يكن يغادر منزله لأيام طويلة , لا يستقبل أحداً, ولا يتصل بقريب او بعيد
لكنني -ولحسن ظني- كنت الاستثناء في ذلك .
فمنذ أول زيارة قمت بها إليه في منزله,قامت بيني وبينه صداقة وطيدة, وأحس بالاطمئنان لي, ففتح لي قلبه, وحدثني عن جوانب غير معروفة في حياته ومسيرته الفنية.
كان محمد محسن يتمنى ان يلحن للمطربة ميادة الحناوي. لكن ميادة كانت منشغلة مع الملحنين المصريين ولم تهتم برغبته هذه لكن منذ عدة سنوات قبل رحيله , أبدت رغبتها في ان يلحن لها , وصرحت بذلك في اكثر من مقابلة صحفية, إلا ان محمد محسن كان قد غير رأيه لأن ميادة كانت ترفض غناء ألحانه وهي في عزها. وأعلن رفضه التلحين لها.
الحدث المهم الذي عشته مع محمد محسن, هو تلحينه آخر واربع اغنيات لفيروز عام 1996 ففي أحد الأيام اتصل بي, وأخبرني ان فيروز اتصلت به وطلبت ان يلحن لها اربع اغنيات.
وصدرت عام 1999 لكن الغلطة الكبيرة التي ارتكبها عندما اتصلت به طالبة تلحين اربع اغنيات اخرى, لكنه أبدى رفضه الفوري.
أعجب محمد محسن بصوتين شابين , الاول رويدا عطية عندما ظهرت في سوبرستار . وتمنى ان يلحن لها , اتصلت بها او بزوجها.. لا أذكر , واخبرتهما رغبته لكن رويدا انجرفت في موجة الغناء السائد, فغير رأيه فيها . كما أعجب بشهد برمدا, واتصلت بوالدها كي تزور شهد الفنان محسن عند حضورها الى دمشق. لكن انشغالها في غناء الليل شغلها عن ذلك .
آخر لقاء بيني وبين الفنان محمد محسن كان قبل أقل من ساعة من نقله الى مشفى الرازي , حيث توفي وكنت آخر من زاره في منزله قبل نقله الى المشفى.
في الواقع كان محمد محسن مترددا بين اعتزال التلحين والرغبة فيه . فأحيانا كان يقول لي انه قرر الاعتزال , ويستعمل عبارة ( خلاص تركت المصلحة) لأن الجو السائد ليس جو تلحين, واحيانا اخرى يحن الى التلحين, وخاصة اذا استمع الى صوت جميل عبر التلفزيون ومن الاصوات التي كان معجبا بها , ورغب في التلحين لها ربا الجمال.
بعد رحيل محمد محسن سمعت كلاماً كثيراً عن الظلم الاعلامي الذي تعرض له من اعلامنا وخاصة التلفزيون .
وللأمانة , فإن اعلامنا لم يقصر معه. والمشكلة كانت في محمد محسن نفسه : فقد كان يخاف مواجهة كاميرا التلفزيون والميكرفون والناس. كان يعاني من انطوائية شديدة . وجرت محاولات عديدة لتسجيل سهرات تلفزيونية واذاعية معه لكنه كان يرفض بشدة.
وكل ذلك كان يحدث بواسطتي. فأكثر من مرة وسطتني ادارة التلفزيون لعلمها بصداقتي الوطيدة معه , لتسجيل سهرة معه مقابل ان يدفعوا له مبلغ خمسين الف ليرة.
لكنه كان يرفض ومرة وعن طريقي عرض الاستاذ نذير عقيل استضافته في برنامج ( سهرة الاحد) الاذاعي, مقابل خمس وعشرين الف ليرة,لكنه رفض ايضاً.
المرة الوحيدة التي استطعت اقناعه بالذهاب الى الاذاعة, كانت لتسجيل مقابلة معه في برنامجي (صناع النغم).كما سجلت نهلة السوسو معه حلقة من برنامج (نهر وروافد)ومن العروض التي جاءته ورفضها , دعوة للمشاركة ببرنامج (خليك بالبيت).
وفي عام 2004 قرر مهرجان الاغنية السورية تكريمه ومنحه جائزة الاورنينا وايضا اعتذر عن الذهاب الى حلب , وتسلمت الجائزة عنه.
وبدأ الانهيار الصحي للفنان محمد محسن قبل شهرين من رحيله, بسبب وفاة زوجته أم رياض. وقبل رحيلها عاش أياماً عصيبة, سببت في تدهور حالته النفسية والصحية, فقد كانت زوجته مريضة بمرض عضال. وكانت تسافر بين فترة واخرى الى امريكا للعلاج حيث يقيم اولادها . وكانت قبل وفاتها تستعد للسفر الى امريكا لكنها اضاعت جواز سفرها. فتأخر سفرها بسبب استصدار جواز جديد, وتأخر أخذها للجرعة.
وفي أحد الأيام قبيل رحيله ,قمت بتسجيل ملخص عن سيرته الفنية بصوته. وكان هذا مكسباً لي .
كما قدم لي شريط كاسيت تضمن اغنية لحنها وسجلها بصوته وبمرافقة عوده . وعنوانها (تقول غداً)شعر صالح هواري. وكان محمد محسن قد لحنها لميادة الحناوي لتغنيها لكنه غير رأيه بعد ذلك واعطاني التسجيل وفوضني بالتصرف به . بشرط ان لا اعطيها لميادة.
وهي آخر لحن له .
وذات يوم من عدة سنوات قبل رحيله . زار الفنان رفيق سبعي الفنان محمد محسن في منزله ونقل اليه رغبة ابنته صبا في ان يلحن لها . فاعتذر محمد محسن لكن اصرار ابنة رفيق سبيعي كان شديداً فقرر الفنان محسن تطبيق المثل القائل: ( اذا كنت لا تريد تزويج ابنتك, فاطلب مهراً غالياً). وطلب ثمن اللحن الواحد مبلغاً كبيراً على أمل ان ترفض صبا المبلغ, وتصرف نظرها عنه. لكنها قبلت فاضطر ان يلحن لها ثلاث اغنيات وبعد تسجيلها في الاستديو, غيرت صبا رأيها , وصرفت النظر عن الغناء.
وكان المكسب الوحيد المبلغ الذي تقاضاه محمد محسن عن الألحان.
وهناك ثلاث اغنيات أخرى لحنها للمطربة مها الجابري , وهي ثلاث موشحات (ألا أيها البيت), ( شابه الورد), ( رماني ساهر القد). وكان من المفروض ان تغنيها مها في مسلسل . لكن رحيلها حال دون ذلك فبقيت الاغنيات الثلاثة مسجلة عنده وقد زودني بنسخة منها وقمت بدوري بادخالها الى مكتبة الاذاعة.