وتخرج من سماط صنعة إلى سماط صنعة أخرى إلى أن تفرغ من جميع الصناعات, وكلها مسقوفة بالخشب...
فتأصلت لدى تجار حلب أعراف وتقاليد في البيع والشراء, جعلت منهم مدرسة تجارية عريقة, يرسل تجار أوروبا أبناءهم إليها لتعلم أصول التجارة و السمسرة على أيدي تجارها, واستخدم الحلبيون بريد الحمام الزاجل قبل اختراع المورس والتلغراف , فكان نبأ وصول الباخرة إلى مرفأ الاسكندرونة يصل إلى تجار حلب خلال ثلاث ساعات, ليقوموا بالسفر وتخليص بضائعهم الواردة, كما قامت فيها تنظيمات الرقابة على حسن التعامل التجاري, من نظام المحتسب إلى نظام شيوخ الكار وبعده نظام شهبندر التجار, حتى تأسست في عام 1885 غرفة تجارتها كأقدم غرفة تجارة في الشرق أنشئت بعد غرفة تجارة اسطنبول بسنة واحدة. لمزيد من التفاصيل التقت الثورة الباحث الاقتصادي فؤاد هلال:
وبعد أن تأسست غرفة تجارة حلب, كيف كان واقع البورصة?
بعد تأسيس غرفة التجارة استمر الحال على هذا المنوال حتى نهاية الحرب العالمية الأولى عام ,1918 حيث عندما انتهى عهد الإمبراطوريات وجدت حلب نفسها لأول مرة أمام حدود وجمارك وقيود على تحرك المسافرين والبضائع, ولكن رغم ذلك بقيت أسواق حلب وخاناتها المتخصصة تقوم بدور هام في بورصة كافة المواد وتسعيرها, وكانت تجري في خاناتها البورصات عن طريق المزاد العلني , وخاصة أيام الحرب العالمية الثانية, حيث قامت في خان العلبية بورصة الغزل وفي خان الجمرك بورصة الأقمشة والنقود والذهب.
ومن خلال مراجعة (المجموعة الاقتصادية) لغرفة تجارة حلب التي بقيت تصدر دورياً منذ عام ,1919 وباللغتين العربية والفرنسية, ومنشورات الغرفة قبل ذلك, نجد بأن أسعار كافة السلع والنقود والمعادن الثمينة المأخوذة من بورصة أسواقها, كانت تنشر في هذه المجموعة, وعندما تأسست في حلب الشركات المساهمة صارت تقلبات أسعار أسهمها تنشر فيها أيضاً. وقد استخلصنا من هذه المجموعة الجدول التالي عن أسعار الشركات المساهمة في حلب:
أما عن بورصة النقود, فقد كان التعامل والتسعير يتم بالنقود الذهبية والفضية, وعندما أصدرت السلطنة العثمانية العملة الورقية وفرضت التعامل بها عام ,1917 نتيجة الصعوبات المالية التي واجهتها بسبب الحرب, لم يقبل الأهالي ذلك, فقام جمال باشا بنفي عشرين عائلة حلبية إلى أضنة لأنها رفضت التعامل بالعملة الورقية العثمانية وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عاد التعامل بالليرات الذهبية, وعندما أصدر الانتداب الفرنسي العملة السورية الورقية المكفولة من بنك فرنسا في باريس, بمعدل 20 فرنكاً لليرة السورية, كان سعر غرام الذهب 18 قرشاً سورياً, ونتيجة استمرار التعامل بالليرات الذهبية واعتبار الأهالي أن العملة الورقية حيلة فرنسية لاستلاب ثروتهم من الليرات الذهبية فقد أصدر المندوب السامي الفرنسي قراره القاضي بمنع التعامل بالذهب وإبطال كل عقد محرر بالليرات الذهبية , فاضطر رجال الأعمال إلى التعمال بالعملة الورقية , وإيداعها لدى المصارف, ولكن النساء السوريات تمسكن باقتصادهن القائم على ادخار المصاغ الذهبي والمعادن الثمينة , فزادت بذلك ثروتهن من 18 قرشاً لغرام الذهب إلى 1340 ليرة سورية للغرام حالياً أي أن ثروتهن في اقتصادهن المجمد بالمصاغ زادت قيمتها 7444 مرة خلال 87 عاماً, وتقدر هذه الثروة المجمدة في سورية بعدة مليارات من الدولارات, ويتساءل البعض هل تمكن اقتصاد الرجال تحقيق مثل هذه النتيجة??..
لذلك بقيت بورصة الذهب ومهنة الصياغة في سورية مزدهرة بغض النظر عن النظام الاقتصادي السائد في البلاد.
وماذا عن وضع الشركات المساهمة السورية ضمن هذا الواقع?
بعد استقلال سورية عام ,1946 صدر قانون ضريبة الدخل رقم 85 لعام ,1949 الذي أعفى الشركات المساهمة من 25% من ضريبة الدخل, وحصر تمثيل الشركات الأجنبية في سورية بالسوريين والشركات السورية, الأمر الذي شجع إحداث مئات الشركات المساهمة السورية.
وفي عام 1961 صدرت قوانين تأميم شملت 26 شركة مساهمة سورية هامة ,ولم يتم تعويض مساهميها الذين زاد عددهم على عشرين ألف مساهم أي أكثر من عمال هذه الشركات بالرغم من النص على ذلك في القوانين المذكورة, مما جعل مساهمي معظم الشركات المساهمة الباقية يلجؤون إلى تصفيتها, و أفقد المواطن ثقته بهذه الشركات.
يقال بأن التفكير الرسمي بإحداث سوق للأوراق المالية بدأ قبل 17 عاماً, وقد واجه المشروع العديد من الصعوبات والحوارات .. بصفتكم الخبير الاقتصادي كيف تقرؤون ذلك?
هذا الأمر حقيقة فبعد ثلاثين عاماً من التأميم صدر قانون تشجيع الاستثمار رقم 10 لعام ,1991 وتأسست بموجبه عدة شركات مساهمة مشتركة أو خاصة ونصت المادة 40 من تعليماته التنفيذية على ما يلي:
يصدر المجلس القرار اللازم لتنظيم عمليات تداول أسهم الشركات المساهمة بهدف تشجيع المواطنين على استثمار مدخراتهم في شراء الأسهم وتسجيل إجراءات تداولها وتوفير المعلومات الأساسية عن تلك الشركات وسير أعمالها ونشاطاتها, ويعتبر القرار الصادر بهذا الشأن جزءاً لا يتجزأ من هذه التعليمات.
ولكن هنالك العديد من الصعوبات التي واجهته ووقفت عائقاً أمام نجاحه, وفيما يلي أهم النقاط التي أثيرت:
- قلة عدد الشركات المساهمة القائمة في البلاد, فهل نشجع إحداث الشركات المساهمة أولاً, حتى نؤمن الأسهم التي سيتم التعامل بها في السوق ثم نحدث هذا السوق بعدئذ, بأسلوب الجدلية البيزنطية المتعلقة بأسبقية / البيضة أم الدجاجة/ على اعتبار أن أسهم هذه الشركات تشكل أهم الأوراق المالية التي سيتم التعامل بها في هذا السوق, لذلك لايجوز إحداث سوق بلا بضائع ولاتحضير ميدان لسباق الخيل بدون خيل , وعلينا تعلم السباحة في برك صغيرة قبل النزول إلى البحر هذا مع الإشارة إلى أن عدداً كبيرا من الشركات المساهمة في سورية غير مؤهلة, وفق شروط سوق دمشق, للدخول في هذا السوق خاصة وأنها لم تطرح أسهمها أو قسماً منها على الاكتتاب العام.
- الكوارث والانهيارات الاقتصادية التي وقعت في الأسواق المالية في شرق آسيا (النمور الخمسة وجورج سيروس) وفي الخليج , حيث أحدث الرأسمال الأجنبي الطيار, الذي يمكن أن يتسرب إلى الأسواق الصغيرة ويشتريها برمتها ويسيطر عليها كوارث اقتصادية , أي ظهرت الخشية من المضاربات الخارجية وغيرها التي قد تضرب الاقتصاد الوطني وتهرب, لذلك يقتضى
حصرها بالاستثمارات طويلة أو متوسطة الأجل دون الاستثمارات قصيرة الأجل أو وضع فترة زمنية فاصلة بين الشراء والبيع مجدداً.