ماتت فيها كلمات البهجة في رحيق الأطفال، زمن هيمنت فيه ظلمات الخوف والقلق، قذيفة هنا وانفجار هناك، تنال الأبناء والأحباب أوالأصحاب.
اندثرت أحلام الإرهابيين ومَنْ وراءَهُمْ، تحت أقدام رجال الجيش العربي السوري، لتلتمع أسطورة النصر، بين حنايا فرح حلب؛ في انتصارها، زغردت نسوة حلب كما زغردت من قبل نساء الغوطة، ودير الزور، زغاريد ملأت فضاءات الوطن، تبشر اليوم نسوة إدلب والرقة، وكل شبر ينتظر علم الوطن؛ ليرتفع وسط صدح الحناجر.
أغاريد كسرت جدار الفصل مع الأمل بالنصر، لأجل قلوب تمزق فيها الفرح زمناً، انتصر الصدق والقيم، ليجلو عن تاريخ الحمداني الغبار، الذي حاول الإرهاب نثره، عندما هشم تمثاله المنصوب رمزاً لشموخ اللغة والشعر، وعراقة التاريخ النافذ إلى حيوات الأجيال المتعاقبة، يرسم جمال الحرف في صميم الروح، كاشفاً مكنونات الأدب وصنعته، بنورانيةِ مَحبَّةٍ أَلِقَة.. تعزف ألحانها أوتار قيثارة الإباء والإيثار.
انتصرت السواعد لأجل عجلةِ آلةٍ تدور، فتضاعف إنتاجها المشوب بطيوف جمالٍ وإبداعٍ، يعانق الذوق الرفيع في المنتج الوطني، وعلى صوت هدير المعامل الحلبية ترتسم قصائد عشق الوطن، تزين دروب إعماره، وإزهار اقتصاده، وإنمائه للعلا.
عادت حلب، لتعود فروسية الشعر مزهوة بألوان الربيع الطبيعي الآتي، وليس ذاك الهجين الذي رمونا به صقيعاً، قَشِبَتْ منه جلودنا، سنوات تقارب أصابع اليدين، أشعار وقصائد بنكهة عشق الوطن، زلال تصاففت فيه طيوف الجمال ومعاني السمو
انتهت جفوة الأيام، سقط ستار العتمة، رسم الجهر بحب الوطن والحياة صوراً على الوجوه، وصدحاً من الحناجر، لتتحول إلى ثقافةٍ تُزْرعُ في أذهان الأجيال، يحملونها شغفاً بحياة الجيش والمقاومين، يوقعون معهم ومع الوطن صكاً في ثالوث مقدس.
ثقافة العشق والتضحية في مدرسة المقاومة والصمود والبسالة، أصبحت مسلمات تسري في وتين القلب، وتُحفر في ذهن جيل الحرب، تتناغم بعلاقة جدلية، تنتصر فيها نورانية الفكر، مقابل أصولية الخطاب التي أودت الوطن إلى مجاهيل أضاعت ما بناه أبناؤه عمراً، قارب الخمسين، كانت تضاء فيه شمعة كل يوم تبدد الظلام.
كل حجارة في حلب تحكي تاريخاً، كل زقاق يبوح بقصة وراء مشربيات المنازل العتيقة، دروب حلب تحكي قصص السواعد التي تنقل المنتجات والمصوغات، النور الذي انطفأ في شوارعها، سيعود ليضيء لافتات الحوانيت وأسماء المعامل، وتعود خاناتها لتغص بالبائعين والمشترين، خزان الصناعة الوطنية سيلمع نجمها من جديد.
زخارف البيوت القديمة ترممها ألوان أبنائها المبدعين، ويزين الأرابيسك أثاثها لتحتضن في إيواناتها الساهرين، حلب الطرب واللغة الساحرة، ألحان العود الحلبي حيث الأصالة الشرقية، ومرويات الأبطال ستتناقلها الأجيال على ألسن الشاهدين.
شذرات الأدب ستعود في حلب بإيحاءاتٍ إنسانيةٍ جديدة، من تجارب الصامدين تحت الحصار سنين، أمواج نيران الحرب الصاخبة، تكسرت على جباه الشامخين، من أطفؤوها ونصبوا أشرعة الأمان، ليتم فرح الحياة رغم جلجلة المعارك.
مرفأ الأمان وصلته سفينة حلب، ألقت مرساها فيه، لتطمئن الطفولة في براءتها، وتشرق شمس الشتاء القاسي الذي مرَّ على المقاتلين، فكانت غيومه لحافهم، وصور أمهاتهم، أوردة الحياة التي تمدهم بالدفء والعزيمة التي لا تلين، تقاوم مردة الظلام.
قُتِلَ تنين النار في حلب، وستقتل رؤوسه النابيات أينما حاولت نفث نيرانها في إدلب والرقة ودير الزور والحسكة، لتنطفئ على كل ذرة تراب من أرض الوطن، ولتعلوا الزغاريد تحت ظلال العلم زمردي النجمتين الخضراوين، فيعبق سحر نجوم الياسمين.