كلماتٌ، ما قالها الكاتب والشاعر الصيني «آي كينغ» إلا بعد أن شهد معاناة المظلومين في شتى أنحاء العالم.. أيضاً، بعد أن سعى لنصرتهم بأفكاره وأناشيده التي تجاوزت الفضاءات، وبثّت الجرأة والشجاعة في قلوب العالم قاطبة، ودون أن يلاقي من سعيه هذا إلا هجوم النقاد ممن دفعوه للانكفاء على صمته، مثلما قصائده التي وصموها بالكئيبة والتشاؤمية..
سنواتٌ وهو يعيش منعزلاً إلا عن خصوصيته، ومع ذاته وصمته وآلام قصيدته.. القصائد التي لم يكن ليتوقف خلال هذه السنوات عن كتابتها والتأمل، في كيفية جعلها تسري إلى الفضاء الذي كانت قدُ مُنعت فيه من النشر والتداول،لم يتوقفِ آملاً أن يأتي اليوم التي تدوّي فيه صرختها، مطالبة بردِّ المعاناة عن جميع المنكوبين وليس في الصين وحسب، وإنما في كلِّ أنحاء العالم الذي أراده يسمع رسالتها.
إنها رسالة شاعرٍ ما أكثر ما كان يحدّق في الأفق الممتد حوله، رافضاً الويلات التي كانت تحيط به وسببها الغزاة اليابانيون الذين كانوا يعيثون خراباً ودماراً في وطنه, الرسالة التي وجدَ بأنه معنيٌّ بإيصالها، ولاسيما إلى شعبه الذي لم يتوقع بأن يكون اليوم الذي انتظره طويلاً، سريعاً في جعله يقرأ في مضمونها: «يجب على الشاعر أن يُجهر بالحقيقة لمصلحة الشعب، وأن يعكف مع هذا الشعب على حلّ المسائل المعقدة في عصره، ومن أجل أن يعطي عنها وبلا مواربة، جوابه الخاص، أي نشيده, «نشيد النور» الذي يجب أن يخرج من قلبه، ويعبر عن أفكاره. قلب الشعب أيضاً وأفكاره، بل حقيقته».
نعم، سرعان ما قرأ الشعب مضمون رسالته، وسرعان ما تحققت أمنياته التي استمرت طوال سنواتِ صمته.. سقطت الأصوات التي سعت لخنقِ الأصوات الشعرية-الفنية، وسقط عنه بعدها ماكان قد وجِّه إليه من اتهام، فكان أن رُدَّ له الاعتبار الذي لم يكن ليقبله إلا بصورته الرسمية.
من هنا، بدأت قصائده تأخذ دورها في تشجيع الشعب على بناء مجتمع أفضل وأكثر رقياً ووعياً.. مجتمع حشدت «الصين» كل قواها لتحديثه وتجديده، وإلى أن باتت أقوال هذا الشاعر تتوالى أناشيد:
«حمراءٌ هي النار التي أجَّجها الأعداء/ أحمرٌ هو الدَّمُ/ حمراءٌ هي زهرة الزنبقة البرية/ حمراءٌ هي الشمس الطالعة/ أحمرٌ هو علمنا الذي يصفِّق في الهواء»..
هكذا يمضي «كينغ» من إخلاصه لوطنه إلى الفضاءات التي آلمه مارآه فيها ويمعنُ في انتهاكها.. من نزيفِ الحياة التي عاشها، إلى العوالم التي تجول فيها وقرأ لأهم شعرائها..
هكذا يمضي وبوعي وأمانه مشاعره مثلما أشعاره.. الأشعار التي وكأنما تقصّد أن يجعلها أشبه بالنَّار.. توقد الكلمات بالانفعالات، وتحثّ الشعوب على مواجهة الأعداء الغزاة..
تعود إلى وطنها وتستكين، وتشعر بأن عليها أن تكون «خلقاً خاصاً بالشاعر الذي يضع نفسه بكاملها فيها، من أجل أن يتأثر بها، كي تؤثر بالآخرين».
تشعر أيضاً، بأن عليها أن تكون كـ «الشمس»... تهبُ الحاضر الضوء والحياة، بعد أن تتدحرج من مغاورِ الأمس:
/من مغاور الماضي السحيق/ من عصور الظلام/ من جدول موت الإنسانية/.. تتدحرج الشمس نحوي/ بأشعةٍ لا تقاوم/ تمنح الحياة نفساً/ تجعل أغصان الأشجار تهفو إليه/ والأنهار تندفع إلى الأمام بالغناء والحياة والحيوية/..