في إشعالها وتصديرها على امتداد المعمورة, ورغم قتامة هذه الصورة إلا أن العالم منشغل أيضا بانتخابات الرئاسة الأميركية لما لنتائجها من تأثير على قضايا وأحداث العالم ولاسيما دول الشرق الأوسط, وبمصير المشروع الأميركي لإقامة الشرق الأوسط الجديد على مقاس المشروع الصهيوني.
ولعل أهمية انتخابات الرئاسة الأميركية لمنطقة الشرق الأوسط تحديدا تنبع من هيمنة القرار الأميركي المتفرد بأزماته, ولما تشكله السياسة الخارجية الأميركية من دور أساسي في تفجير أو تهدئة تلك الأزمات أو في حلها أو زيادة تعقيداتها, إضافة إلى ما يمكن أن تشكله نتائج الانتخابات الأميركية من تحديد هوية الرئيس الأميركي الجديد في أن يكون لبلاده دور عادل في قضايا المنطقة وفي مسألة الصراع العربي الصهيوني تحديدا, ومن إمكانية ما يشكله ذاك القادم إلى البيت الأبيض عامل ضغط على الكيان الصهيوني كي يلتزم بالشرعية الدولية والانصياع لقراراتها التي ضرب بها عرض الحائط منذ ولادته القيصرية بفضل الدعم اللامتناهي للولايات المتحدة وللغرب عموماً.
لكن الذي يهمنا نحن العرب من تلك الانتخابات أن نستقرئ مدى ذاك الاهتمام العربي لأهمية حدث كهذا باعتباره الحدث الذي لايجاريه حدث عالمي آخر لما له من انعكاسات سلبية أم ايجابية على الصعيدين العربي والاقليمي ولاسيما أننا سمعنا عن دعم جميع المرشحين لانتخابات الرئاسة للكيان الصهيوني باستثناء المرشح الرئاسي الجمهوري رون بول الذي حمّل هذا الكيان واللوبي (الإسرائيلي) المسؤولية عن كارثة السياسة الخارجية الأميركية إزاء الشرق الأوسط. وهو على الرغم من أنه موقف جريء ومثير للدهشة فإننا لم نسمع أي رد فعل عربي حياله, فيما كان على الطرف (الإسرائيلي) التحرك سريعا على مختلف الصعد لمحاصرته والنيل منه أو الالتفاف عليه.
إن أي تحرك عربي وياحبذا عندما يكون تحركاً جماعياً منسقاً هو تحرك لا يمكن أن يستهان به أو التقليل من أهميته لأن إيصال هذا الموقف العربي إلى الساحة الأميركية في هذه الايام له من الأهمية في التأثير على توازنات المنافسة الأميركية في هذه الانتخابات, سواء من حيث تنوير الرأي العام الأميركي ولو بحدوده الدنيا بادئ الأمر بعدالة ووجهة القضايا العربية أو بتوجيه الدعم لتعزيز مواقف مرشحي الانتخابات المعتدلين أو غير المتحمسين (لإسرائيل) أمثال المرشح الجمهوري رون بول وكذلك لمحاولة ردع المرشحين الموالين (لإسرائيل) وما أكثرهم.
إن أمة العرب بجميع مواقعها ولاسيما الحكومية والرسمية مطالبة بتنظيم حملات داخل الشارع الأميركي كي تضعه أمام حقائق معينة بأن المصالح الأميركية في الشرق الأوسط لن تبقى على ما هي عليه اليوم من مرج وهرج اذا ما استمرت تلك السياسة في توجهاتها كما هي حالها اليوم, كما أن على العرب أن يبعثوا برسالة إلى كل ناخب أميركي بأن إعطاء صوته لمن تسوقه آلة الاعلام اليهودي الأميركي ولاسيما حيال المرشح رود غولياني وتحمسه المفرط (لإسرائيل) سوف يؤدي إلى تصعيد مأزق السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط, خاصة وأن مثل هذا المرشح غولياني بعقيدته وأفكاره يجمع ما بين مواصفات ديك تشيني وجون بولتون الثنائي الصهيوني في إدارة بوش.
إذن العرب مطالبون بأن يترصدوا تفاصيل أجندة سباق الرئاسة الأميركية سواء رصدها لمواقف المرشحين من دعمهم (لإسرائيل) وبرامجهم حول ملف مكافحة الارهاب فيما اذا كان على شاكلته الحالية التي دفعت أمتنا العربية و الاسلامية وحدهما الثمن الباهظ لها أو حيال مشاريع المرشحين بشأن البقاء للاحتلال الأميركي في العراق وغيرها, وكل هذا بالطبع يعطينا مؤشراً حقيقياً لطبيعة القادم في السياسة الخارجية الأميركية المستقبلية.