جدّه لأمه الشيخ محمد الدويكي الكائنة في زقاق المصبنة في سوق القطن, ونشأ بدار أبيه وأجداده في سوق العبرانيين مواجه الباب القبلي للجامع الأموي, ثم تركها عام 1119ه وابتنى له داراً من دك التراب بسفح قاسيون قرب زاوية الشيخ يوسف القميني, ثم أعطاه المولى أسعد أفندي البكري الصدّيقي قطعة أرض من بستانه المسمى العجمية, قبالة المدرسة العمرية بالصالحية تحت نهر يزيد, فعمّرها داراً وأقام فيها حتى وفاته.
وكان الشيخ النابلسي من أعظم الوجوه الصوفية التي شغلت بشخصيتها وتآليفها العالم الإسلامي, وخاصة بلاد الشام, في القرن الثاني عشر الهجري. وكانت نشأته في بيئة صلاح ودين وعلم, فامتاز منذ نعومة أظفاره على أقرانه وأخذ العلوم المختلفة على 18 شيخاً من وجوه دمشق وعلى رأسهم الشيخ نجم الدين الغزّي.
ولما بلغ النابلسي العشرين من عمره بدأ في التدريس بالجامع الأموي وفي تصنيف الكتب وفي نظم الشعر الرائق البديع. ثم سافر إلى اسطنبول, وتولى بعد عودته محكمة الميدان بدمشق, ثم التدريس في الجامع الأموي وخاصة في مؤلفات الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي.
وفي تلك المرحلة من حياته سلك الشيخ عبد الغني في طريقتين صوفيتين: القادرية والنقشبندية. وتلا ذلك مرحلة طويلة من العزلة الصوفية وحالة الجذب الوجداني, دامت سبعة أعوام, وصدر له في أثناء خلوته أحوال غريبة وأطوار عجيبة, وصارت تعتريه السوداء, فقام عليه بعض أهل دمشق واتهموه بالزندقة وترك الصلاة. فلما تمت خلوته خرج منها وهو مشوّه الخلقة من شدة طول الشعر والأظفار, لكن عبقريته في بواطن العلوم تفتقت في أثنائها وجادت قريحته بمؤلف ضخم في تأويل القرآن.
ولما خرج النابلسي من هذه العزلة كانت قدمه قد رسخت في ميدان التصوّف, وبلغ مقامات صوفية عالية وعاد طبيعياً كما كان, فاشتهر أمره وعلا ذكره وصار المرجع في حلّ كلام العارفين, فأطلق قلمه في ميدان التأليف, ووردت الناس عليه وصار كهف الحاضرين والواردين, واستجيز من سائر الأقطار والبلاد, واعتبر بحق خلفاً للشيخ الأكبر ابن عربي, وأحد أهم شارحي كتبه والمدرسين بها. وصار علماً من أعلام عصره, تأثر به كثيرون من أبناء العالم الإسلامي.
وتميزت هذه المرحلة من حياته بالخصب والعطاء, فأقام على التدريس والتأليف والإفتاء والرحلات والسياحات حتى وفاته بدمشق عام 1143ه, وكان أثناء هذه المرحلة ولي إفتاء الحنفية وتدريس المدرسة السليمية بالصالحية.
ودفن النابلسي بالقبة التي أنشأها بداره, ثم بنى حفيده الشيخ مصطفى إلى جانب القبة مسجداً جامعاً, فصار قبر الشيخ مزاراً لأهل دمشق. ومازال مسجد النابلسي وضريحه معروفين إلى يومنا الحاضر.
قام النابلسي بعدة رحلات أو ( سياحات ) على عادة متصوفة ذلك العصر, وقد سجل مجريات رحلاته ومشاهداته فيها في عدّة كتب مهمة وصلت إلينا.